[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبد الناصر الكرت [/COLOR][/ALIGN]

الذين شاهدوا مقطع اليوتيوب الذي يصور طفلين صغيرين يبدو أنهما من أسرة أوروبية غير مسلمة , أكبرهما لم يتجاوز الرابعة من عمره . حيث قام الصغير بعض إصبع أخيه الأكبر . وهي ليست في إطار النزعة العدوانية بقدر ما تمثل حالة توظيف للأسنان اللبنية الصغيرة التي بدأت تظهر . وهذه نشاهدها دائما لدرجة أن بعض الأطفال يقومون أحيانا بعض أصابعهم ! وكل ما يقترب من أفواههم . ومن أجل ذلك قامت شركات التصنيع الطبية بصناعة قطع متلدنة بأشكال مختلفة لهذا الغرض .
والمشهد يبين أثر العضة على الطفل الآخر والذي لم يتحمل الألم فأخذ يتأوه ويبكي دون أن يقوم بأية رد فعل عنيفة على أخيه الصغير , بل يبرر له ذلك بقوله (جولي بيبي ) فهو يلتمس له العذر بأنه صغير .
وبالمقابل يظهر المقطع صورة لطفلين سعوديين في نفس العمر تقريبا , حيث يقوم الصغير بعفوية بعض إصبع أخيه الذي ألقمه إياه , فيواجهه أخوه بضربات على رأسه بقوة وعنف وسط ضحكات أفراد أسرتهما .
ولهذا المشهد أبعاد كبيرة في نمط التربية الأسرية التي تؤدي إلى اكتساب السلوك الإيجابي أو السلبي تبعا لأسلوب الأبوين في التعامل والتعليم والتأثير والتوجيه ..فالطفل الغربي تحمل الألم والتمس العذر وهذه قيمة أخلاقية عالية المستوى . بينما الطفل العربي كان بعكس ذلك , إذ انتقم لنفسه بأكثر مما حدث دون أدنى إحساس بأثر ما فعله مع أخيه محققا بذلك نصرا ترسخ في نفسه مبكرا بموجب ردة الفعل التي تعززت بفعل الضحك من بقية الأسرة دون أي توجيه ليصبح سلوكا ثابتا يطبقه مع الغير فيما بعد . وهو ما نلاحظه في مجتمعاتنا بكثرة المضاربات والاعتداءات وجرائم القتل وصولا إلى الإرهاب . بعد أن تشكلت كسلوك مرغوب فيه وفق التربية الأسرية والاجتماعية الخاطئة – من بعض الأسر – التي تكرس في نفوس الأطفال أسلوب العنف والبطش .فكثيرا ما نسمع عبارة يرددها بعض الناس في غير موقعها ( خلك رجّال ) وهي تغرس فيهم النظرة العدائية والانتقامية والاحتيالية والإجرامية . وغالبا ما ينشأ أطفالنا ويكبرون مع أسلوب العنف وتغييب العقل ويتنامى معهم في حياتهم وأسلوب تعاملهم مع الغير بردود الفعل الشديدة, تمثلا بقول الشاعر :
ألا لا يجهلن أحد علينا … فنجهل فوق جهل الجاهلينا
دون أن نعلم أو نتعلّم قيمة التسامح والتفاهم والمحبة والسلام والتماس الأعذار , همّنا فقط تحقيق النصر الذاتي – من وجهة نظرنا – وسرعة الانتقام بلا اكتراث لما ينتج عنها من آثار علينا أو على الآخرين حاضرا ومستقبلا .
ومعروف تماما أن السلوك الأخلاقي مكتسب في غالب الأحيان عن طريق التربية الأسرية والمدرسية والمجتمعية ..وهو يحتاج إلى يقظة وتدريب مستمر , لأن الأمراض التي تلحق بالأخلاق متعددة . لذلك لا بد من تربية الفرد تربية أخلاقية سليمة , تتجلى في تنمية الحس الأخلاقي ليتحقق من خلالها تنمية الصحة الأخلاقية وتحرير الشخص من نزعاته وأهوائه وتشجيعه على الخلاص من مساوئ الغيرة والحقد والحسد والأثرة والأنانية , وتعميق انتمائه إلى ذاته وتعويده على قيم الصبر والتحمل والأمانة والإخلاص … وتدريبه على كيفية التعامل مع المحيطين به ومع كل أفراد المجتمع .
ومن أجل ذلك نقول بصدق وصراحة بأننا بحاجة إلى إعادة صياغة للتربية , نظريا وعمليا يكون قوامها الدين والأخلاق اقتداء برسول الهدى عليه السلام الذي امتدحه الرب عز وجل بقوله تعالى ( وإنك لعلى خلق عظيم ) وعندما نتمكن من غرس الأخلاق الفاضلة سنحقق كثيرا من المكاسب , لأن صاحب الخلق القويم لا يقبل إلا العمل الصالح الذي فيه الخير كل الخير للأفراد والمجتمعات في الدنيا والآخرة .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *