الحفاوة التي استُقبل بها مليكنا الكبير سلمان بن عبد العزيز في جولته الآسيوية، وتحديدا في ماليزيا وأندونيسيا؛ لم أستغربها أبدا، وصور “السيلفي” التي يتسابق إليها قادة تلكم الديار ووزراؤها مع أبي فهد يحفظه الله، دليل حبهم الكبير له، وهم القادة فما بالكم بالشعب؟! ، وخادم الحرمين يتباسط معهم بكل عفوية وتواضع، وتكفي تلك الابتسامة المشرقة على محيا مليكنا في كل جولته هناك، دليل استمزاجه وفرحه بهذه الحفاوة وشعوره بالحب الصادق.

كنت قبل عشرة أشهر في تلك الديار، والتقيت ببعض مثقفيها ودعاتها، ورأيت حجم الحب والتعظيم الذي ينظرون به لبلادنا وملوكنا، وخصوصا الملك سلمان، الذي ملك قلوبهم بعاصفة الحزم، وأعاد لهم الأمل في أمة إسلامية متماسكة وقوية، ويعلم الله أنني في كل بقاع الأرض التي زرت خلال السنة الماضية، رأيت الأمل معقودا على مليكنا وبلادنا من قبل غالب المسلمين الذين التقيت.

أتذكر موقفا لي في السنغال قبل ستة أشهر، وأنا الإعلامي المهتم بالنشاط الصفوي، وسألت حينها مستشار الرئيس السنغالي للشؤون الإسلامية الشيخ منصور نياز هناك عن موضوع الصفوية وانتشارها في أفريقيا، وكان مما أجابني: ” يا أخي عبدالعزيز، أنتم لم تدركوا بعد حب الأفارقة لكم، ونظرتهم تجاه السعودية وقادتها.

معظم من حولك هنا صوفية بسطاء، غير مسيسين كأولئك الذين رأيتموهم في مؤتمر (جروزني)، الغالبية العظمى من الصوفية الإفريقية يرونكم كالصحابة، والله لو جاء الملك سلمان لزيارتنا، لتوافد مئات الآلاف من كل الدول، فهم يرونه قائد المسلمين اليوم، وأقسم بـالله أنه بكلمة واحدة منه، ينصاعوا لما يريد ويطلب، ويتصدوا كلهم للتشيع والتنصير، أنتم لكم مكانة كبيرة في قلوبنا، توارثناها جيلا عن جيل”.

هذه النفسية التي تحدث بها الشيخ منصور نياز من أقصى شمال غرب أفريقيا، هي نفسها التي رأيناها في أقصى شرق بلاد المسلمين في أندونيسيا، وهي ذاتها في جمهوريات آسيا الوسطى، وهي القوة الناعمة التي تتوافر عليها المملكة، ولا تتوافر لأية دولة غيرها، إذ نحن هنا مهبط الوحي، وقبلة المسلمين، ودولة الإسلام، وهذه هي نظرة ومشاعر غالب المسلمين لنا، وكم أتمنى على مليكنا الكبير، أن يولي أفريقيا أيضا زيارة، ويرى حب الأفارقة له ولبلادنا، ويشيع فكرنا الوسطي القائم على الاعتدال لا الغلو بما يتهموننا به في الغرب.

زيارة الملك سلمان لأندونيسيا أخذت أبعادا كبيرة، إذ النشاط الصفوي في تلك البلاد آخذ في الازدياد، وكتبت عن ذلك في مقالات فارطة، وأتمنى من المهتمين ممن تصدى للمشروع الصفوي العالم إسلامي؛ البناء على ما سيتحقق من هذه الزيارة المباركة، إذ المسلمون البسطاء في ذلك الأرخبيل الاندونيسي، الذي يقدر جزره بحوالي 17560 جزيرة، ينظرون باجلال وتقدير لبلادنا ومليكنا، والتنبيه على المشروع الصفوي الذي استطاع خلال أعوام قليلة فقط صفونة حوالي مليون أندونيسي في أكبر بلاد المسلمين عددا للأسف الشديد، فضلا عن استقدامهم للطلبة الاندونيسين الى جامعات طهران وقم،

وذكر د.علي مسكن موسى، أحد علماء جمعية نهضة العلماء في جاوة الشرقية بعد زيارته لإيران؛ بأنه رأى سبعة آلاف طالب إندونيسي تقريبًا، 300 منهم في مدينة قم، بعضهم قد حصل على منحة دراسية كاملة من الحكومة الإيرانية، والباقون على كفالة المؤسسات الموجودة هناك.

من حكمة خادم الحرمين الشريفين في هذه الزيارة، أنه لم يتطرق أبدا للشأن الطائفي، بل استقبل في جاكرتا مع الرئيس جوكو ويدودو رئيس جمهورية إندونيسيا أبرز الشخصيات الإسلامية والأديان الأخرى في إندونيسيا، وتكلم عن أهمية العمل على التواصل والحوار بين أتباع الأديان والثقافات لتعزيز مبادئ التسامح، وتوجه إلى محاربة الغلو والتطرف في جميع الأديان والثقافات، وأن الأديان تسعى لحماية حقوق الإنسان وسعادته.

التركيز في هذه المرحلة على تسامح الأديان، وإشاعة مفاهيمها التي تحث على حقوق الانسان، ومحاربة الغلو والتطرف، هي شهادة لنظرة بلادنا الشمولية، ودورنا الايجابي في العالم بترسيخ مفاهيم الوسطية والسلام، وسيبين للعالم من هي الدولة التي تقوم على الطائفية الضيقة وتدعم جماعات التطرف والإرهاب!.

هنيئا لنا بسلمان الحزم، وهذه الجولة أبانت القوة الناعمة له ولبلادنا، في حب الشعوب المسلمة له، وأسأل الله تعالى أن يمده بقوة من عنده وعزم، ليكمل جولاته في أفريقيا وآسيا الوسطى، ويعيد لنا ذكرى أخيه الفيصل الشهيد، الذي غرس حب المملكة في كل ممالك المسلمين .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *