“وفقا لتقرير صادر عن شركة “اسند” الاستشارية، التي ترصد صناعة الطيران المدني، تراجعت مطالب التعويضات من 2.2 مليار دولار عام 2010 إلى 1.2 مليار دولار في عام 2011″.
الطريف في هذه القصاصة القديمة من تقرير الشركة تنويهه بأن الانخفاض الكبير في التعويضات لم يكن بسبب قلة الحوادث وانما لكون غالبية الضحايا ينتمون لبلدان نامية حيث المطالبات بالتعويضات في حدها الأدنى عكس البلدان الغربية التي تكبد هذه الشركات خسائر هائلة نتيجة التعويضات.
ولنا هنا أن نتساءل.. لماذا قلت نسبة الحوادث في الدول التي بها وعي مجتمعي وقوانين رادعة وتعويضات ضخمة بينما ازدادت في الأماكن الأخرى؟!
ربما في اجابتنا على هذا السؤال فهم عميق لابعاد المشكلة التي نعانيها وطريقة الحل والأمر لا يتعلق هنا بالطيران فقط فالنشاط الإنساني في كل العالم لا يخلو من أخطاء تتسبب في أذية البعض وقد يكون ثمنها إصابات مزمنة أو فقد ارواح أو اهدار لأموال.. فالطبيب يخطئ والمهندس يخطئ والمقاول يخطئ والمسؤول يخطئ.. وكل هؤلاء يخطئون لكنهم لا يستمرئون الموضوع ويكررون أخطاءهم الا بغياب المحاسبة الحقيقية..
نحن لسنا بعيدين عن هؤلاء فحالنا كحالهم نجتهد في عملنا فنصيب ونخطئ.. هم يختلفون عنا فقط في المحاسبة العادلة لذلك تستقيم حياتهم بأنظمة وقوانين تضبط هذه الاخطاء وتجعلها في حدها الأدنى بينما نحن لازلنا نهمل المحسن حتى يفقد حماسه وينضم للقطيع والمذنب حتى تتعاظم اخطاءه ويتضرر منها القريب والبعيد.. وان استوقفنا الحدث لشناعته فردة فعلنا لا تتعدى بضع كلمات ننظمها في حينها مدحاً أو قدحاً وننسى بعد ذلك كل ما حدث ونعود مرة اخرى لممارسة كل اخطائنا السابقة فلا عقاب يردعنا ولا محفزات تدفعنا للأمام.
قد يعتقد البعض اننا نفتقد للانظمة والقوانين الرادعة بينما ينبئنا الواقع بعكس ذلك فالنظام يكفل للجميع حق المطالبة بالتعويضات التي ريدونها وبامكانهم مقاضاة حتى الجهات الحكومية ولكن ذلك لا يحدث لسبب بسيط.. اننا في الغالب الأعم نجهل حقوقنا أو نستهتر بها ونتكاسل عن السعي لنيلها أو أننا لا زلنا مؤمنين بالمقولة التي يروج لها حتى اصبحت جزء من ثقافتنا وهي ان العوض حرام أو ليس به خير.
خلاصة القول اننا نحتاج في حادثة بالقرن التي راح ضحيتها ثلاثة بنات في عمر الزهور وتسببت في لوعة في النفس لكل من سمع الخبر وفي كل الحوادث المشابهة ان يبصر ذويهم بأن الوفاء الحقيقي لهذه الارواح البريئة التي ازهقت بمحاسبة من استهتر وخان الامانة فتسبب بهذه الكارثة والمطالبة بتعويضات ضخمة جدا تناسب حجم الجرم الذي ارتكب في حق هؤلاء الأبرياء فعالم اليوم لا يتقن سوى لغة المال فهي الرادع الحقيقي الذي يجعلهم يفكرون ألف مرة قبل تكرار اخطائهم.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *