جدلية الحجاب .. تكشف ضعف الحوار !!

• عبد الناصر الكرت

عندما أبدى الدكتور أحمد القاسم الغامدي رأيه حول الحجاب الشرعي للمرأة ورؤيته في مسألة كشف الوجه من عدمه من واقع قراءاته واطلاعه على المذاهب الأربعة واستدلالاته واستنتاجاته , ثارت ثائرة المخالفين له في الرأي . وبصرف النظر عما إذا كان القاسم على خطأ أو صواب فإن الأسلوب الذي قوبل به خاصة من بعض العلماء لم يكن جيدا ولا محبذا حيث غلب عليه التشنج والانفعال بعيدا عن المسألة التي طرحها والتي لم تكن جديدة في الأصل بل سبق وأن اختلف حولها العلماء من عهود سابقة . لكن الخطاب كان قاسيا وإقصائيا تناول شخصه في المقام الأول قبل رأيه ! فأحدهم تحدث عن دراساته وشهاداته والطعن فيها والآخر تحدث عن عمله وعلاقته برؤسائه السابقين , كما وُصف بالسوء والكذب وأنه من طلاب الشهرة ودعاة الفتنة , إلى غير ذلك من الألفاظ التي لم تتناول الموضوع فتقارع الحجة بالحجة ! مما أعطى مجالا لحديث العامة من خلال وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي ما بين معارض أو مؤيد له مستخدمين الألفاظ والعبارات النابية والتي لا تليق أبدا سواء في شخص القاسم أو بعض المشايخ المعارضين لرأيه , فطفحت بالبذاءة والقذف والاتهامات التي لا تجوز مطلقا وقد يبوء أصحابها بالإثم وقد يحاكم من يلفظها ولا ينبغي التهاون بإطلاقها .
فهذه القضية أكدت في الواقع درجة التعصب الكبير في مجتمعنا والتمسك بالرأي الواحد ومصادرة الرأي الاخر والإقصاء . وبينت ضعف لغة الحوار ورداءة الأخلاق لدى بعض أفراد المجتمع , وكشفت خللا في أسلوب التعامل مع الغير مما يعطي مؤشرا لنقص الوعي الاجتماعي الذي ينبغي ان تهتم بتكريسه جميع المؤسسات المعنية في الدولة الدينية والتربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية وغيرها . فتجذير الوعي هو الأولى , والذي يبدأ باحترام الذات أولا واحترام الآخرين مهما اختلفت وجهات النظر . فالصدام لا ينتج عنه خير أبدا . والتصنيف يمزق المجتمع أشلاء ويحيله إلى شراذم متفرقة متناحرة . كما أن الواجب يقتضي تأصيل السلوك القويم على المستوى الشخصي والأسري والمدرسي والاجتماعي … ولعل ترسيخ ذلك يجنب المجتمع الكثير من المشكلات التي يتعرضون لها , ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة والذي امتدحه الرب عز وجل بالخلق لقوله تعالى ( وإنك لعلى خلق عظيم ) وهذا هو المنهج الذي يفترض أن يكون السائد لجذب قلوب الناس إلى الدين الحنيف فرسول الهدى عليه السلام قال ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ولو سادت الأخلاق الإسلامية الفاضلة والأفعال الطاهرة لما ظل موضوع تغطية وجه المرأة من عدمه يشكل أهم القضايا التي يتحدث عنها المجتمع , وكأنه ليس لدينا ما هو أهم منها . فلو عرف كل إنسان واجباته وما ينبغي عليه لعرف حدوده أمام نفسه وتجاه الآخرين .
أما هذه المسألة وغيرها من المسائل الشرعية التي تثار بين فترة وأخرى فإنه يجب ألا يغفلها علماء الأمة وألا يتركوها في الهامش بل ينبغي مناقشتها من أصحاب الفضيلة كبار العلماء بهدوء تام لأنهم بعيدون عن الهوى والتعصب للرأي فهم يعلمون أنهم مسؤولون أمام الله تبارك وتعالى فيما يفتون .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *