جدة .. صراع البهجة والاكتئاب

• بخيت طالع الزهراني

ثمة علاقة راسخة بين البيئة العامة للمدينة – أي مدينة – وبين الحالة الصحية والنفسية لسكانها , ففي بيئة المدينة التي تتسم بالتلوث والضجيج والازدحام تتوفر عوامل الاصابة بالاكتئاب والامراض العصبية والنفسية طبقا للدراسات العلمية البيئية .. وباختصار فثمة علاقة طردية بين الازدحام والنفايات والضجيج والتلوث البصري … الخ , وبين زيادة الشعور بالضجر والقلق والاكتئاب .. ولو بحثنا عن السبب في جملة واحدة لقلنا إن كثيرا من المحددات غير الجميلة بالمدن تحولها تلقائيا الى مدن غير صديقة للبيئة.
ولقد اتفق المخططون في العالم منذ زمن على أن مدينة المستقبل هي المدينة التي تكون صديقة للبيئة , وتبعا لذلك فقد قطعت الكثير من دول العالم شوطا كبيرا في هذا الاتجاه , ولك أن تقرأ عنها أو تزورها , أو تتعرف على نتائجها في الاستبانات التي تجرى دوريا وتتنافس عليها مدن العالم , أيها يكون في مقدمة الصفوف ومن الذي يتذيل أخر القائمة .
واستطرادا .. فقد احتلت مدينة ملبورن الاسترالية – للمرة الرابعة على التوالي – صدارة قائمة أفضل مدن العالم من حيث : الاستقرار، الرعاية الصحية، والثقافة والبيئة، التعليم والبنية التحتية .. طبقا لتقرير حديث نشره موقع ” (CNN) بالعربية ” .. وملبورن كما هو معروف هي ثاني أكبر مدينة استرالية بعد سدني من حيث السكان (حوالي 4 ملايين نسمة )
ومن الصدف أن ملبورن تماثل جدة في شيئين فكلاهما بحريتان , وأيضا لهما نفس عدد السكان .. لكن بالطبع ملبورن تختلف عن جدة في أشياء كثيرة .. ففيها ما يزيد على 100 قاطرة تنقل نحو 70 مليون راكب سنويًا، وتعمل الحافلات الخاصة على 240 خطًا، وترتبط المدينة بالضواحي بشبكة من القطارات الكهربائية تحت الأرض , وفيها سبع جامعات و16 كلية وبعض الكليات التقنية المتقدمة , وفيها سبع صحف , أربعة يومية وثلاث , أسبوعية , وعدة صحف باللغات الأجنبية، وهناك أربع محطات إذاعية لبرامج مختلفة بسبع وأربعين لغة، وهناك محطة تلفاز.
أظن .. بل لعله مؤكدا أن جهاز البلدية هناك له أهداف و(رؤية استراتيجية) تنبثق منها خطط إجرائية , بحيث يتم تحويل الرؤية والاهداف إلى واقع معاش على الارض .. ولذلك فقد حان الوقت – هذا إذا لم نكن قد تأخرنا – في اقتفاء أثر الخطط العلمية التي يدار بها العمل في بلديات المدن العالمية المتقدمة , فنحن لا تنقصنا المادة , ولا العقول .
اتمنى حقيقة أن تبادر أجهزة (الأمانات) في مدننا الكبيرة على وجه الخصوص إلى قبول هذا التحدي , ولتكن البداية من مدينة جدة مثلا , باعتبارها أكبر مدينة اقتصادية بالبلاد بمطارها ومينائها البحري , وكونها بوابة للحجاج والعمار والسياح بما يوازي 4 ملايين شخص يعبرون منها كل عام , هذا غير عدد سكانها الذي يقترب من هذا الرقم.
لم يعد الوقت يقبل الانتظار او التثاؤب , فلابد من حراك فاعل وفق رؤية علمية وقدرة بشرية , تتوفر لها أعلى حالات الرؤية الاستشرافية العميقة , بعيدا عن العمل النمطي , والخطط التقليدية واسلوب الاداء الروتيني الذي درجنا عليه دهرا .
ويبقى السؤال المحير .. هل جدة بكل محدداتها ومعطياتها ومحتواها العام , هل هي مدينة تساعد على البهجة لسكانها .. أم تراها بيئة قريبة من صناعة عوامل تساعد على الاكتئاب ؟ .. من يجيب ؟

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *