جدة التاريخية..الى أين ؟
نزيه حسن السيد
بعد غياب قسري عن جدة العشق والتاريخ ..قدر لي ان أذهب اليها في اليوم قبل الأخير لمهرجانها السنوي..كنت اشعر بسعادة غامرة وانا أتجه مع عائلتي الى هناك..عندما تطل على المنطقة يتملكك شعور غريب بعظمة المكان وهيبة الزمان..
يوجهك المرشدون الي بوابة الدخول .. يسعدك نجاح المنظمين في ادارة حركة السيارات وحشود الزائرين..فهناك مساران للدخول والخروج وكلاهما يتيح لك المرور بكل المنطقة التي اختيرت لتكون نطاقا للمهرجان..لا فوضي ولا تصادم بين كلا الاتجاهين..يسعدك ايضا ذلك الجو الأسري الذي يسود المهرجان..
جو يتسم باعلي درجات الأخلاق والانضباط والاطمئنان.. لم الحظ ولا حالة واحدة من حالات المضايقة او الخروج عن الآداب العامة .. وكل ذلك كان فقط بوازع ذاتي وخلقي لدي كل الزائرين والزائرات..دون رقابة ولا توجيه من احد..وكأن الزمن قد عاد بنا الي تلك الحياة الأسرية الجميلة التي عشناها في ذلك الزمن الجميل..نعم لقد عاش الزائرون كرنفالا أسريا بديعا بلا منغصات..
ينبغي ايضا ان أشير الي التحسينات التي أضيفت في بعض ساحات المهرجان من مبان تراثية-وان كانت لا تحاكي الواقع بدقة- ونشاطات كالرسم والتصوير وبعض الفنون وتخصيص مناطق للمقاهي والمطاعم التي قدمت المشروبات والأكلات الشعبية..وأظن أنه كان من المناسب اضافة فعاليات أخري ثقافية وفنية في اطار التعريف بجدة..
حياتها الاجتماعية وتاريخها وفنونها وتراثها.. وتوسيع منطقة المهرجان لتشمل حارتي البحر واليمن ..ثم دعونا نتحدث عن حال جدة التاريخية.. ان منطقة المهرجان أو نطاقه بين حارتي الشام والمظلوم أعرفه جيدا..
بل أحفظ كثيرا من مواقعه ..فهناك ولدت..وهناك مرتع طفولتي وصباي ومطلع شبابي..واصدقكم القول أنني رغم سعادتي واستمتاعي بتواجدي هناك..الا أنني كنت اشعر بكثير من الألم والحزن كلما توغلت في مساري داخل المنطقة..ان من عاش في ذلك المكان ويحفظ كل تفاصيله لاتبهره الأضواء الغامرة..
ولاتشغله الحشود التي تتحرك ولا النشاطات والفعاليات المتعددة عن الواقع المأساوي الماثل أمامه..فهو يستطيع بعين الفاحص والمعاصرأن يلاحظ مدي ما وصل اليه حال المنطقة من وضع بائس ومحزن..ان بيوتا كثيرة من أجمل بيوت المنطقة ازيلت اما بسبب حوادث الحريق المتلاحقة أولأنها كانت في حاجة الي اصلاح وترميم عاجل ولكنها اهملت ..
وحتي الآن لا نعرف ماهي حكاية تلك الحرائق، وماهي اسبابها، وماذا فعلنا لتفاديها ومنع تكرارها..كذلك ان معظم بيوت المنطقة في حالة محزنة ومآلها بكل تاكيد الي السقوط والزوال مالم نتدارك ذلك بإصلاحها وترميمها..
كما أن النسبة العظمي من البيوت لحقها التشويه والتخريب بسبب تحويل دهاليزها ومقاعدها بشكل عشوائي الي دكاكين تجارية.. ولا شك ان اصلاح تلك البيوت وكيفية استغلالها مشروع ضخم لايستطيع أصحابها القيام به ..بل يجب أن تتولاه الأمانة بالاستعانة بمجموعة من الشركات والمستثمرين لجعلها منطقة تاريخية وسياحية واستثمارية كما حدث في كثير من البلاد الأخرى .. وبذلك نحافظ عليها ونفاخر بها ونستفيد منها.
.لقدقرأنا وسمعنا كثيرا أن هناك مشاريع للتحسين والتطوير ولكن كل ذلك وبكل اسف لم يتحول الي حقائق علي الأرض.. ان بقاء الوضع كما هو عليه لبضع سنوات اخري سيؤدي حتما الي تآكل جدةالتاريخية..لتصبح هي ومهرجاناتها -لا قدر الله – أثرا بعد عين
التصنيف: