[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبدالرحمن آل فرحان[/COLOR][/ALIGN]

أشتري الجريدة .. أتأبطها وأعود معها إلى البيت .. ثم أضعها على الرف بجوار التلفزيون لأقرأها وقت المساء.. أحيانا أعود إليها وأتصفحها على عجل..لكن على الأغلب نسيان أمرها تماماً ..فلا أنا قرأتها ولا أنا تركتها في المتجر .. على الأقل لتعود إلى أحضان ناشرها معززة مكرمة . الشخص الوحيد الذي يتعامل مع تلك الجريدة القابعة فوق الرف هي زوجتي.. ولها طريقة واحدة في التعامل دائماً مع الجرائد .. وهي الإتلاف تحت بند التدبير المنزلي ، فيما مضى كانت تسألني : هل لازلت بحاجة للجريدة قبل إتلافها ؟ وأنا أجيب إما بلا أو نعم ، لكن منذ أكثر من سنتين ؛ أصبحت تسألني ولا أجيب إلا بلا ، ثم أصبحت تسألني ولا أجيب .. ثم أصبحت تتلفها من دون أن تسألني مطلقاً.
سألت أحد باعة الجرائد ذات مرة : كيف ترى إقبال الناس على الصحف ؟ فقال: قبل نحو 10 سنوات كانت شركات التوزيع تجلب للمحل ما يربو على 15 مطبوعة مختلفة وبأعداد كبيرة لا تسترجع منها إلا القليل .. أما اليوم فليس لدينا في المحل سوى 8 أو 9 مطبوعات وبأعداد محدودة ومع هذا يعود معظمها لشركة التوزيع . ومن حينها أدركت أن نهم قراءة الجرائد قد لحق بكل الأشياء الجميلة التي ولت مع كلاسيكيات الزمن الجميل.
مؤكداً أن الأمر ليس له علاقة بضعف ثقافة الاطلاع لدى الناس .. فالناس لازالوا يقرأون ويبحثون ويتقصون عن كل جديد ومثير في السياسة والأدب والمجتمع ، إنما بأسلوب آخر .. وآلية أخرى ، يسمونها مواقع التواصل الاجتماعي ، ذلك الجاثوم الذي حط على صدر الصحف الورقية وأجبرها على أن تنشئ لها حسابات في تلك المواقع مرتبطة بمواقعها الإلكترونية عدا طبعاً هذه الجريدة .
إن سطوة وشراسة مواقع التواصل الاجتماعي تكمن في هيمنتها على شاشات الجولات الذكية ، تلك الأجهزة السحرية التي أحالت العالم من قرية صغيرة إلى غرفة صغيرة تمطرك بشتى صنوف الأحداث والأخبار والمقالات والصور ومقاطع الفيديو أينما كنت وكيفما كان ظرفك ..تخترق خلوتك..مكتبك..اجتماعاتك ، معك في حلك وسفرك تبعث بكل شيء إلى جيبك.. بالصوت والصورة ومن دون أن يكلفك ذلك حتى عناء تغيير وضعية جلوسك .. حتى أكابر الكتاب والمشاهير وأصحاب الرأي والسياسيين وشيوخ الاقتصاد والأدب والثقافة وعامة الناس أصبح لهم حسابات تبعث لنا نشاطاتهم وانطباعاتهم وأدق تفاصيل حياتهم .. فبالله عليكم بعد كل هذا .. ماذا بقي للجريدة من مسوغ يشفع لها البقاء داخل دائرة الاهتمام ؟ هناك نبوءة قيل إنها منسوبة لخبراء صناعة الإنترنت يؤكدون فيها وبناء على معطيات التطور المهول في هذا المجال أنه مع نهاية العام 2018م لن يبق جريدة مطبوعة على وجه الأرض ، ولم يبق عن هذا التوقيت سوى 5 سنوات ليدرك المعلن من خلالها صدق هذه النبوءة ،وحينها ستعلن مواقع التواصل الاجتماعي الحداد على الجريدة.
Twitter:@ad_alshihri
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *