من المؤكد أن ارتطام اصبع قدمك الصغرى بحافة الطاولة سيشعرك بالألم ؛ ومن المؤكد أيضاً أنني لو قلت لك ساعتها أن هناك من البشر من سيحسدك على هذا الشعور فلن تصدقني !! أمعقول هذا !!! أيوجد من يتمنى الألم ولا يجده؟.
في إحدى الأفلام الوثائقية الأجنبية عن أندر الأمراض العالمية تحدثوا عن طفلة تدعى جابي جنجراس كانت قد ولدت بميزة غريبة ( في الواقع ليست ميزة بل مرض غريب ) هذه الميزة هي عدم الإحساس بالألم ، ما جعل التعامل معها من قبل والدتها كالكابوس الذي لا يطاق ، فحينما بدأت تظهر لتلك الطفلة الأسنان بدأت في قضم أطراف أصابعها حتى وصلت للعظم وهي لا تشعر وغير مدركة تمامًا بما تحدثه ليديها من تشويه ، فانجبرت أمها لأخذها لطبيب الأسنان كي يخلع كافة أسنانها مع أنها لم تبلغ عامها الأول ، وحينما بدأت جابي في المشي تعرضت لكسور عدة نتيجة سقوطها أو بالأحرى قفزها من أماكن مرتفعة ، لكنها لم تكن تبكي أو تصرخ ، بل في مرات كثيرة كانت الأم لا تكتشف أن ابنتها مصابة بكسر إلا حينما تراها عاجزة عن تحريك العضو المكسور ، ثم تمادت الطفلة في إيذاء نفسها وهي لاتعلم إلي أن بلغ بها الأمر أن أتلفت عينيها الاثنتين بالدبابيس مما تسبب لها بالعمى الكلي . إنها مآساة بكل المقاييس ، ولا أظن أن أحدنا لديه القدرة على استيعاب أبعادها وتبعاتها سيما بالنسبة لوالدي تلك الطفلة المسكينة ، من أين لهم أن يشتريا شعور الألم الذي معظمنا يسعى بكل طاقته ليجنب أطفاله التعرض له ؟ هذه المفارقة الغريبة دفعت بهما في نهاية المطاف لتأسيس مؤسسة خيرية بمساعدة من متبرعين كثر مكنتهم من بناء وحدة عناية خاصة لهذه الشريحة ، اسمها مؤسسة ” الألم منحة ” تهدف إلي توفير الدعم والرعاية لكل الحالات المشابهة لحالة جابي ، لم تلبث حتى انضم لها العشرات من الأسر الباحثة عن شعور الألم ، فسبحان الله الذي جعل لأجسادنا آلية ذاتية لتجنب المخاطر ، ومعالجة الخلل ، والبحث عن الحلول ، نشعر بقرصة البرد فنلوذ بأرديتنا نتدثر بها وكأنما الجسد يقول لنا بلغة الألم دثروني ، ونشعر بلسعة الشمس فنهرع للظل ؛ ونطأ على المسمار فنرفع قدمنا .. حتى العطش والجوع والصداع والخوف .. كلها نداءات بلغة الألم لتعديل وضعياتنا وتصحيح مساراتنا وسلوكياتنا ، فالألم استجابة وليس عقابا .. منحة وليس نقمة ، فلولاه ما سعينا إلى تغيير أمكنتنا أو تبديل طرقاتنا أو إعادة حساباتنا ، إنه واحد من أهم العواطف الأولية كما يقول العالم ديريك دانتون والتي تدفع إلي فعل غرض بيلوجي ملح حتى وإن كان بطبيعته شعوراً غير سار ، لأننا من دونه سنتسبب لأنفسنا بأذى شديد وربما الموت ، لذلك إن ارتطمت قدمك فلا تملأ المكان غضباً وشتماً وكلاماً نابياً..فقط اجلس واربت على أصابعك وأنت تتلو كلمات الشكر لربك الذي وهبك هذا الشعور المزعج .

@ad_alshihri
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *