الاستقالة أو طلب الإعفاء هو من الفوارق الفردية بين المنتمين للعالم الأول والعالم الثالث في كل شيء سواء كان في الأمور الشخصية أو العملية، لهذا يدرب العالم المتقدم النشء على ثقافة الاستقالة لأنها أمر إيجابي، يفعل العكس أفراد العالم الثالث لأنهم يعتبرونها نوعا من الهروب أو الانهزامية، ولهذا تختلف درجة الإنتاجية بين العالمين وكذلك حجم الطموح عند الشباب.
لنسأل أنفسنا كأفراد، هل تفضل أن تستمر في عمل لا تجد نفسك فيه أو أنك لا تستطيع أن تقدم منه ما يجب أن يُقدم؟ هل تستحسن بقاء شخص في مركز فعال وهو غير قادر على التطوير لأنه قدم ما لديه ولم يعد عنده عطاء؟ هل إتاحة الفرصة للآخر للتنافس في تقديم ما قد يفيد أو البعد عن الشحناء حتى في الأمور الشخصية إذا كان الطرف الآخر غير راضٍ عن العلاقة الثنائية فتتيح له الفرصة لإختيار ما يعتقد أنه الأنجع؟ أم اصرار كل شخص على أحقية نفسه ويزكيها بصرف النظر عن الراحة النفسية والجودة الإنتاجية؟ ألم يعلمنا القرآن من قصة سيدنا موسى في سورة الكهف كيف طلب إعفاء نفسه من المرة الثالثة؟
الاستقالة في العالم الأول تحدث إذا ما أخفق المسؤول في أبسط الأمور كتعبير عن الاعتراف بالتقصير وهذه من الفضيلة، الاستقالة يفعلها النجباء ومن يعلمون أنهم يستطيعون الإنتاج في مواقع آخرى، من لا يعترف بثقافة الاستقالة هو من يريد الاستمرار في إخفاقاته ولا يهتم بنتائجه من باب الإنانية لكي يحظى بوهج المنصب أو للتحكم بالطرف الآخر كالزوجة مثلاً، ولهذا أمر الله سبحانه الرجل بعدم ترك الزوجة كالمعلقة إذا لم تطب العشرة بينهما، كذلك من لا يستطيع الاستقالة هو على يقين بأنه لن يجد أي فرصة للنجاح والتقدم ولهذا هو يتمسك بالوضع مهما كانت الظروف.
لابد أن ننمي ثقافة الاستقالة عند أبنائنا وبناتنا لأنها نوع من أنواع التطور في التعامل تأتي بكل مفيد وتفتح الباب للمنافسة واحترام النفس والآخرين، لماذا نعتبرها مطلوبة لدى مدربي كرة القدم عندما تسوء نتائج الفريق حتى لو لم يكن المدرب هو السبب ونرفضها أو نستهجنها عندما يفعلها الموظف سواء في القطاع العام أو الخاص أو حتى عندما يفعلها أحد الزوجين مثلاً؟ هي ثقافة تؤسس منذ الصغر ويشجعها المجتمع أو يستنكرها مع العلم أن فوائد ممارستها جمة وعدم الاعتراف بها أو استنكارها له مصائب كثيرة وخطيرة، لهذا لابد أن نعيد النظر في ثقافة الاستقالة كنوع من التقدم الذي ينشده كل ذي قلب وعقل وبهذا تتحول المجتمعات حتى من العالم التاسع للأول قولاً وفعلاً.

عضو الجمعية العالمية لأساتذة إدارة الأعمال – بريطانيا

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *