الشماتة لغة وضيعة ، لا يمكن أن يتصف بها النبلاء في أي عصر ، فالإنسان النبيل يدرك تماماً حدود بشريته التي مهما تمددت في أطوالها وأعراضها فلن تزيد عن كونها حدود بشرية ، يعتريها الزلل والنسيان والشهوة والنقص ، لذا تتواضع مع كل مرة ترى فيها قدما تنزلق في الخطأ ، وتتعظ مع كل مرة ترى فيها اسماً يتهاوى في لجة الفضيحة وتشوهات السمعة والسيرة ، بينما الوضيع ينسى هذه الحقيقة ، ويتحول إلي ملاك معصوم بمجرد أن يرى غيره يقع في زلة أو خطأ ! كبر ذلك الخطأ أو صغرت تلك الزلة ، فعند هفوات غيره يرى نفسه مشبعة بالفضيلة فيطلق العنان لها لتشمت وتتوغل في الشماتة بكل جسارة وجرأة ! بينما في الخفاء يتعرق من الخجل إزاء رذائله وخفايا سلوكه .
ليدرك الشامت أن الفلك دوار وأن لا ضمانة للغة الشماتة النتنة من أن تحاصره يوماً من حيث لا يعلم أو يحتسب وأن الذي أوقع غيره في شر أعماله ليس بعاجز عن أن يوقعه في أسوأ صنائعه ، فيا أيها الشامت دونك نفسك ، تأملها جيداً وتأمل ما تخفيه عن أعين الناس ، وتذكر بألا فرق يذكر بينك وبين من قد تسول لك نفسك الشماتة به سوى التوقيت في انكشاف المستور ، فربما كان السابق لك وأنت اللاحق ، والعاقل من أدرك ذلك ، فليس بعد فضل ستر الله لنا فضل ، فلا أحد يقول أنه مختلف ، أو أن زلاته عصية على الافتضاح بين الناس ، أو أنه مسيطر على الأمر ، فكل من ساقتهم قدرة الله سبحانه لدائرة الفضيحة كانوا يعتقدون ذات الاعتقاد ، بل ربما كانوا أشد حرصاً وتحوطاً من غيرهم ، ومع ذلك أراد الله لهم هذا المصير ، فلا تغرك نفسك باللوك في أعراضهم والنيل من شخوصهم والشماتة بما آلت إليه الأيام بهم ، بل احمد الله الذي لم يزل يحيطك بستره ، ودفء رحمته .
يقول الإمام الشافعي رحمه الله :
لسانك لا تذكر به عورة امرئ … فكلك عورات وللناس ألسن .
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *