أحياناً من شدة صدماتك بالأحداث والوقائع من حولك لا تجد ما تتحدث به ، ينعقد اللسان وكأنما أصابه الجاثوم فجأة ,, تحاول أن تفيق هذه العضلة من غفوتها لتشق صدر الدهشة بالأسئلة التي تتزاحم في صندوق رأسك فلا تستجيب !! وكأنها تقول لك .. اصمت .. فما من كلمة الآن بإمكانها أن تصف هذا العبث ، فالعبث كريح هبت فجأة بالقرب من دار سيدة عجوز .. كانت تقوم بكنس أوراق الشجر المتساقط فوق عرصات الفناء الخارجي لدارها .. فاضطرت أن تتوقف .. لأن الأوراق بفعل رعونة الريح بدأت تتطاير في كل مكان.. حتى الأماكن التي كانت قبل هذا الهيجان المفاجئ نظيفة عادت من جديد ملوثة بتلك الأوراق ،. هكذا شأن العبث مع كل شيء في حياتنا ، لا يترك مجالاً للعقل أن يستحضر الحكمة في هدوء وروية.. ولا يدع سبيلاً للآذان أن تصغي لوجهة نظر أخرى قد تكون حلاً أو باباً لحل تفرضه معايير الواقعية والمنطق .. لذا ما من طريق أمام اللسان إلا أن ينطوي على ذاته ويصمت ، فالصمت أفضل من أسئلة عمياء تذوب في ضجيج الحمقى .. والصمت أفضل من دهشة الأفواه الفاغرة على غير هدى ، وحتى مع الصمت .. فلن تسلم من محاكم التفتيش على النوايا .. لماذا أنت صامت ؟ فالرافضون يرون صمتك قبولاً ، والمؤيدون يرونه رفضاً !! هكذا حتى ولو لم تنبس ببنت شفة ، ومع هذا .. يظل الصمت خير وسيلة للصمود .. فالأحمق يقرأ الصمت احتقاراً وهذا يكفيه .. والأرعن يقرأه ترفعاً وهذا يكفيه .. والثرثار يقرأه تسفيهاً وهذا يكفيه ..وقس عليهم اللعان والوقح وأصحاب النفوس الخبيثة .. كل منهم يقرأ صمتك بعينه التي توجعه ، فقط العقلاء وأصحاب القلوب الطاهرة من يرون في صمتك أبسط تجليات الحق الإنساني ، فمثلما يحق للإنسان أن يعبر عن مواقفه بالكلام فله كل الحق أن يعبر عنه بالامتناع عنه ،. تماماً كحق تلك العجوز في أن تلقي مقشتها وهي تهم بالدخول لباب دارها تاركة خلفها تلك الرقصة المزيفة لأوراق نسيت أنها لم تزل ساقطة رغم احتفال الريح بها .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *