تكلفة الخدمة العلاجية

• د. حسن جابر

تماشيا مع خطط التحول الوطني ومع الدخول في نظام إصلاح إدارة القطاع الصحي، واستئنافا لما اقترحته من قبل عن نظام المؤسسات العلاجية و”مصلحة برنامج التأمينات الصحية” تبقى بعض الثغرات الواجب سدها كي لا تفشل هذه السياسات على مدى قريب. إحدى هذه الثغرات الحيوية وهي مفتاح النظام كله تكلفة العلاج. تشمل تكلفة العلاج نواح متعددة من تكلفة المنشأة ومصاريفها المتعددة، والناتج النهائي يتمثل فيما يطالب به مقابل خدمة علاجية. لبنة تكلفة العلاج هو تكلفة الإجراء العلاجي. الأساس في العلاج هو مجموعة الإجراءات الطبية من عمليات أو تدخلات أو أدوية أو متابعة أو ساعات تأهيل وخلافه مما يقدم للمستفيد وهو المريض.

حصر هذه الاجراءات العلاجية كلها وجدولتها مع تنوعها وتفاصيلها أمر متاح ومتوفر، بل ولكل منها رمز وجدول وبرنامج. حاليا فلكل منشأة أسعارها الخاصة التي تعلنها كتكلفة علاج. هناك تفاوت بين المنشآت لكنه تفاوت متفاوت بحيث أن خدمات ما تكون أقل تكلفة هنا عن هناك، بينما تكون خدمات أخرى في القائمة أعلى تكلفة من هناك. كما يطال التفاوت نفس المنشأة بين مستفيد وآخر، وبين نوع تمويل وآخر.

لا بد وأن تقنن تكلفة الخدمات الطبية بتحديد مقابل لكل إجراء طبي وكل خدمة طبية وكل علاج، مثلها مثل الأدوية التي تحددت أسعارها بوضوح. يهدف تحديد تكلفة الإجراء العلاجي الأساس إلى توحيدها في كل مكان فلا تتغير بتغير المنشأة أو المكان داخل المملكة أسوة بدول متقدمة علاجيا.

بتحديد وتوحيد التكلفة ينتهي الجدل بين الممول والوسيط وبين مقدمي الخدمة. قد يجادل البعض أن هناك مستشفيات أفخم من أخرى، أو أن خدماتها أفضل من غيرها. لذا وجب التوضيح أن المعني في تكلفة العلاج هنا هو الإجراء العلاجي الفعلي الذي لا يجب أن يختلف حسب المكان، فالعملية ذات نفس الوصف والرمز هي نفسها التي ستجرى هنا أو هناك. هذا لا يشمل الخدمات الفندقية والتسهيلات الأخرى التي تختلف حتى في نفس المنشأة بين غرفة وأخرى. الخدمات الفندقية مقننة بذاتها كما نعرف في التصنيف الفندقي ولكل منها سعر ومجال. تضاف هذه الخدمات والدرجات على تكلفة الخدمة الطبية الأساسية كإضافات أو كعامل تضاعف لتخرج المطالبة النهائية وتظل تكلفة الإجراء العلاجي الأساس ثابتة.

يتفاوت الأطباء في السمعة أو المهارة أو حتى الدعاية أو ميزة عملهم في مستشفى مفضل ما. إذا توحدت تكلفة العلاج فما الذي يفاضل بينهم. نسلم أولا أنه لا ينبغي أن يتحمل مريض أو يحرم من علاج طبيب ما بسبب مادي، ثم نستطرد أن الطبيب سينال مقابل جهده بزيادة عدد مراجعيه وقاصديه، وليس بالضرورة من زيادة تحملهم. هناك خيارات إضافية أمام الطبيب أو مقدم الخدمة فيمكنه ألا يقبل بهذه التكلفة الموحدة المحددة، سواء جزئيا أو كليا. قد يقبلها جزئيا مضيفا عليها تكلفة إضافية،

وقد يرفضها بالكامل مطالبا بتعرفة مختلفة أخرى يحددها. للطبيب ومقدم الخدمة حرية الاختيار، لكن عليه نظاما ومن باب الوضوح كما هو متبع في دول أخرى، أن يحدد ويعلن طريقة تعامله من البداية إن كان سيتبع التعرفة الموحدة كليا أو جزئيا، أو أنه سيتعامل خارجها. يجب أن تكون هذه المعلومة واضحة للمنشأة وللمستفيدين وللشركات والممولين. بالمقابل تستطيع شركات التأمين ألا تغطي تعامل عملائها مع ذلك الطبيب أو تلك الخدمة، أو تغطيها بملحق اشتراك إضافي خاص. كذلك فللمستفيد حرية اختيار مع معرفة بأعباء مالية إضافية. في جميع الأحوال لا يستطيع المقدم أو الشركة تغيير قيمة تكلفة إجراء علاجي أساس موحدة ومحددة، التي تظل معيار محاسبة رسمي. مع العلم أن تلك القيم قابلة لمراجعة دوما وتطوير بزيادة أو نقصان، لكن عن طريق “مصلحة برنامج التأمينات الصحية” التي تقر تعديلات بطلبات من مقدمي خدمة إن كانت منطقية.

تقدم المنشآت الصحية ما يسمى برزمة علاجية أي أنها تجمل تكلفة علاج معين، ولنقل حالة ولادة بمبلغ معين ضمن مواصفات معينة محددة بأيام إقامة ونوع دواء وطبيعة إجراء طبي. هذه الرزم هي أحد مطالب شركات التأمين، كما أنها من مطالب مستفيدين حتى لا تكن المطالبة المالية النهائية مفتوحة ومفاجئة. أحد أسباب المطالبة بهذه الرزم العلاجية وشيوعها هو أزمة ثقة بحسابات ومطالبات بعض منشآت خاصة بالغت في إضافات ومطالبات وتسعير بصورة كانت حتى تعرضهم أحيانا لمساءلة قانونية، وكان مفهوم المساومة والخصم الذي يتجاوز النصف أحيانا سمة ما يشبه نزاع عند الخروج والدفع. هذا ما أعطى العلاج الخاص في فترة ما سمعة لا تتناسب مع دوره الوطني والعلاجي الكبير. لا يتطابق مريض مع آخر، ولا حالة مع أخرى تطابقا تاما وإن وجد بالطبع تماثل بين الحالات. لذا فإن الرزم حالة تقريبية تأخذ المعدل وقد تميل لتزيد في حالة لتنقص في أخرى. لكنها وبالتجربة على تقادم السنوات الماضية أضرت بالمنشآت الصحية. فرضت شركات التأمين رزمها، وكثيرا ما كانت غير عادلة. فالمرضى عرضة لزيادة من تكاليف أو إقامة أو مضاعفات محتملة كعدوى أو عدم استقرار أو نزيف مما يؤدي إما لعدم استكمال علاجهم أو لتحمل المنشأة مصاريفا إضافية كبيرة. لذا مع شفافية في التكلفة وأسعار خدمات، وأمانة مع تدقيق ومراجعة وتحكيم سريع، تكون تغطية تكلفة العلاج معروفة وواضحة ومرضية من الجميع، وتقل الرزم أو تلغى وتحسب التكلفة مفصلة لكل بند بطريقة عادلة أو قريب منها.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *