[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]تماضر اليامي‎[/COLOR][/ALIGN]

في عام 1382 هـ -1962م تم الإعلان عن عزم حكومة المملكة ادخال البث التلفزيوني الى البلاد وذلك بعد حوالي أربعين عاماً من اختراعه. وكغيره من القرارات التي سبقنا بها الغرب بأجيال فقد قوبل القرار بردة فعل عنيفة من المتشددين الذين أفتوا بتحريم شراء الصندوق الأسود السحري أو التعامل معه بأي شكل وصورة. هذا الاختراع الذي شكَّل نقلة نوعية في تاريخ البشرية والذي سيظل الى الأبد من أهم ما توصَل إليه الإنسان من اكتشافات وأكثرها تأثيراً، كانوا قد انفضُوا من حوله وكأنه مخلوق فظ غليظ القلب وبسياسة حكيمة من القائمين عليه عادوا ليقتربوا تدريجيا وبحذر شديد من هذا الكائن الغريب الناطق ما ان شاهدوا أول بث له وقد كان لتلاوة لآيات من القرآن الكريم.
تذكِرني ردة فعل المتشددين حيال كل جديد بالطفل في عامه الأول، كيف يهرب من أي لعبة جديدة في بداية الأمر ثم يراقبها بفضول عن بعد وما يلبث أن يقترب بارتباك وحذر شديدين ويقف بالقرب منها لبرهة ليطمئن ثم يلمسها بطرف إصبعه ويتراجع إلى الخلف قليلا حتى إن شعر بالأمان أمسكها وفرح ومرح ولم يفلتها!
لحقت ردة الفعل نفسها والاستنكار على عجل دخول الدش والفضائيات ثم الإنترنت ثم الهاتف النقَّال والهواتف بكاميرا والهواتف الذكية هذا من جانب الاختراعات ناهيك عما لحق جوانب أخرى مثل تعليم المرأة وعملها من استهجان وتصدٍ وعرقلة.
وها نحن نرى اليوم شيوخا ومفتين معتمدين لا يستغنون عن وسائل التكنولوجيا الحديثة بتنوعها في منازلهم وسياراتهم وحتى مكاتبهم حيث يباشرون عملهم بل إن معظمهم يلبي طلبات الاستضافة في برامج الفضائيات أو له برنامجه الخاص الذي يقدمه ومنهم من يملك قناة أو قنوات فضائية!
وأولئك الذين عارضوا خروج المرأة وتعليمها أرسلوا بناتهم للمدارس وللعمل لاحقاً مع انه منهم من استفاد من مدخولها المادي واعتبره مقابلاً مستحقاً لموافقته على خروجها في صورة من بيع الموافقة على غرار بيع الفتوى.
وبالعودة الى سياق الموضوع وبعد التمعن في تاريخ المقاومة السعودية أما آن الأوان لأن نأخذ من هذا الماضي العظة والعبرة ونتأنى في رفض المستحدثات ومحاربتها قبل أن تتم دراسة جدواها ووضع إيجابياتها المحتمة وسلبياتها المحتملة على طاولة النقاش.
لنأخذ مثلا مسألة الترائي السنوية لهلال رمضان وشوال. فمع أن الاسلام دين واحد ويفترض أن يكون أمر المسلمين مجتمعاً لكننا نرى البلدان العربية والإسلامية تختلف وتتفاوت في بداية صيام رمضان وفي احتفالهم بالعيد ما يعكس صورة سلبية عن وحدة الاسلام والمسلمين لغير المسلمين. وقد يكون المظهر الذي نعكسه للعالم عن الاسلام مشوهاً بالإصرار على هذه الاختلافات والتعنت ولكن الأضرار الناتجة لا تقتصر على ذلك فحسب بل تمتد الى حياة المسلمين اليومية فمنهم من اعتاد اقامة مأدبة في أول يوم من رمضان وكسب أجر افطار الصائمين ومنهم من جرت العادة أن يكون احتفال أول أيام العيد في منزله وعلى ضيافته ومنهم من يريد أن يكتمل عيده بتزويج ابنه أو ابنته وهذا التذبذب والتشكيك في موعد دخول الشهر وخروجه لا يسمح لكل هؤلاء بالتخطيط المناسب والاستعداد الأمثل لمناسباتهم ناهيك عن الوافدين المغتربين عن أهاليهم وما يسببه لهم ذلك من مشقة في خطط سفرهم وعودتهم لبلدانهم وحتى تهنئة أهلهم عن بعد ومشاركتهم الصيام والإفطار. وقد اعتمدنا استخدام تكنولوجيا الغرب ومن بينها تلك المرتبطة بعلم الفلك في جميع وابسط أمور حياتنا اليومية والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا كان دخول شهر رمضان وخروجه استثناءً؟ ولماذا الاستمرار في اعتماد رؤية هلاله على العين المجرَّدة؟ مع ان علم الفلك من أكثر العلوم الانسانية التي تم الاهتمام بها والإضافة لها في تاريخ الاسلام وقد تم الأخذ به وتطبيقه في وضع تقويم أم القرى للسنة كاملة بأدق التفاصيل بداية بأيام السنة والشهور وساعات اليوم وانتهاءً بمواعيد الصلاة على دقتها! والصلاة ثاني أركان الاسلام وتأتي قبل الصيام وفروضها خمس مرات في اليوم على مدار السنة إضافة الى أننا نصوم النوافل والكفارات والقضاء في غير رمضان فهل عباداتنا خارج الشهر الفضيل غير صحيحة في توقيتها؟
@tamadoralyami

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *