تعليمنا… وعقلية الكتاتيب 2 /3
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]خالد عوض العمري[/COLOR][/ALIGN]
لا يمكن للعملية التعليمية أن تتطور وتتواءم مع طبيعة العصر مالم تتوافر الجودة النوعية في أركانها الأربعة المتمثلة في المعلم والطالب والتجهيزات المدرسية والمنهج الدراسي،وحين ينتاب الضعف والقصور أحد هذه الأركان فسوف تتدنى جودة مخرجات العملية التعليمية،وسوف تتحول هذه العملية من جوهرها الحقيقي الذي يتمثل في اكتشاف القدرات واطلاقها وتنميتها عن طريق صقل المواهب الفطرية والاستعداد الغريزي للتعلم لدى الناشئة ومن خلال توجيه الطاقات الكبيرة التي تتوفر لدى الطالب في سنواته الأولى في التعليم إلى شكلٍ من أشكال التدجين القسري والقمع الممنهج للتنوع والتفرد، مما يفقد النظام التعليمي قيمته الحقيقية. وبما أنّ المعلم هو الركن الأول في العملية التعليمية فقد حرصت جميع الأنظمة التعليمية المتقدمة والطموحة على إعداده وتسليحه بأدوات المعرفة،كما حرصت هذه الأنظمة على تمكينه من تطوير قدراته ومعارفه ومواءمتها مع علوم العصر وتطبيقاتها المتسارعة عن طريق التدريب المستمر والتحديث المتواصل لمنظومته المعرفية والتطبيقية،وذلك ليتسنى له القيام بواجباته على الوجه الأكمل ولكي لا يتخلف عن مواكبة التقدم والتغيير الكبير والسريع في المنظومة المعرفية، هذا فيما يتعلق بالجانب الفني التأهيلي للمعلم،أمّا فيما يتعلق بالمردود المادي الذي يحصل عليه المعلم في الأنظمة التعليمية المتطورة فقد حرصت هذه الأنظمة أن يكون المردود المادي الذي يحصل عليه المعلم كبيراً ولائقاً بعظمة المهنة التي يقوم بها ومعيناً له على التفرغ لمهنة التعليم ومتطلباتها الكبيرة،وعند النظر في حال المعلم السعودي نجد أنّ كثيراً من المعلمين السعوديين غير راضين عن وضعهم الوظيفي وخصوصاً في جانبه المادي،وقد غدا هذا التبرم من الوضع الوظيفي عذراً جاهزاً يرد به المعلمون على من ينتقد تردي مستواهم وفقر إنتاجيتهم،فهم يرون أنّهم يستحقون أكثر من رواتبهم الحالية كما يشتكون من غياب التأمين الطبي عن كادرهم الوظيفي ويعتقد كثيرٌ منهم ممن لم يعيّن على مستواه المستحق في السنوات الماضية أنّ التعديل الأخير على المستويات كان تعديلاً صورياً حيث تم إعطاؤهم المستوى المستحق ولكن على الدرجة الأقرب للراتب الحالي لكل معلم وهذا من الظلم الفادح والبيّن،ولا يمكن أن نلوم من يشعر بالبخس والظلم على التقصير والإهمال الذي سيكون رده الطبيعي على من ظلمه،هذا هو دفاع المعلمين الدائم وتبريرهم الذي لا يخلو من الوجاهة،ولكن على الجانب الآخر يجب علينا ذكر الحقيقة التي لا يجوز أن نخجل من ذكرها وهي أنّ كثيراً من المعلمين السعوديين لا يتمتعون بالقدر الأدنى من الشروط الواجب توافرها فيمن يمتهن التعليم!! فالكثير منهم لم يقرأ كتاباً واحداً بعد تخرجه من الجامعة!! ولم يلتحق بدورةٍ تخصصية واحدةٍ في كل حياته المهنية وقد يكون ذلك لرداءة هيكل الوظائف التعليمية حيث يساوي بين الجميع فلا فرق بين المتميز والمهمل ولا بين من يطور نفسه ويواكب التطور العلمي وبين من كان آخر عهده بالتعليم سنين الجامعة أو المعهد،وهذا التفسير على وجاهته لا يصلح أن يكون مبرراً، فالتطوير الذاتي من خصائص المعلم الناجح في كل الأنظمة التعليمية المتقدمة بغض النظر عن مردوده المادي والوظيفي على الشخص،ولذلك تحوّل كثيرٌ من المعلمين لدينا إلى العقار والتجارة وملاحقة لقمة العيش وأصبحت وظيفتهم التعليمية مجرد دخلٍ أضافي لا يستحق التعب والتفرغ وهذا مما لايمكن جحده أو إنكاره!! ولذلك أصبح من الضروري والواجب على وزارة التربية والتعليم أن تقوم بمراجعة كادرها الوظيفي التعليمي وإعطاء كل ذي حقٍ حقه،كما يجب عليها توفير الدورات التدريبية التطويرية لجميع معلميها ثم يجب عليها بعد أن يٌستكمل هذان الأمران أن تقوم بإصدار الرخصة التعليمية للمعلمين وربط هذه الرخصة باستكمال المعلم للدورات التدريبية واجتيازه الإختبارات التخصصية كما هو معمولٌ به في كل الأنظمة التعليمية المتطورة، على أن تجدد هذه الرخصة بشكلٍ دوريّ كل بضعة سنواتٍ، وذلك ليضمن المجتمع أنّ معلميه على القدر الواجب من التطوير والمواكبة للمنظومة المعرفية.العنصر البشري الآخر في العملية التعليمية هو الطالب الذي هو هدف التعليم وثمرته كما يُفترض،وحين النظر في حال الطالب السعودي يبدو واضحاً أنّه ليس على علاقةٍ جيدةٍ بمدرسته،فهو ينتظر متى يغادرها يومياً بفارغ الصبر وينظر لكل سنةٍ دراسيةٍ كأنّها جزء من عقوبةٍ يقضيها، ولا يمكن بطبيعة الحال أن نلقي اللوم على الطالب في هذا الضيق بمدرسته،فهو ينتقل من البيئة القمعية في المنزل إلى البيئة المدرسية القمعية والمتحجرة فلا هو شارك في صنع النظام التعليمي ولا تمت تلبية رغباته المتوافقة مع عمره حين تصميم هذا النظام،بل ربما يبدو الأمر وكأنّ القائمين على التعليم يتعمدون مضايقة الطلاب وقمعهم وحرمانهم من كل مايحبون!!!ولا يستطيع المنصف حين النظر لحال الطالب السعودي إلاّ أن يشفق عليه،فالطالب السعودي ليس ثمرةً لنظام التعليم -كما يُفترض- بل هو ضحيةٌ له.وهذا الضيق من قبل الطالب بالمدرسة يقودنا إلى الحديث عن المباني والتجهيزات المدرسية،فمدراسنا أقرب إلى المعتقلات والإصلاحيات منها إلى المنشآت التعليمية، أقرب من ناحية الشكل والتصميم الخارجي ومن ناحية المحتوى الداخلي!! وهذا في حال المباني الحكومية المملوكة لوزارة التربية والتعليم التي تفتقد للمختبرات التعليمية الحقيقية وتفتقد للمكتبات المدرسية الحقيقية،كما تفتقر للتجهيزات الرياضية اللائقة والمسارح التعليمية وقاعات الأنشطة التعليمية،فماذا بقي سوى الحجرات الصفيّة والممرات!!! أمّا حال المباني المستأجرة فهو أمرٌ مخجلٍ ومعيب لا يمكن قبوله ولا تبريره ولا السكوت عنه وخصوصاً في ظل الفوائض المليارية في ميزانية الدولة ولذلك فليس لدي مايقال بخصوص حجم فضيحة هذه المباني المستأجرة!!
بالنسبة للمنهج الدراسي في المراحل المختلفة وإذا استطعنا أن نغض النظر عن شكله الورقي والبدائي وثقيل الوزن! ففي عصر النانو حيث قامت معظم الأنظمة التعليمية بالتخلي عن المناهج الورقية واستبدالها بالمناهج الإلكترونية والأقراص المدمجة وجهاز الحاسب الشخصي لا يزال طلبتنا يحملون أسفارهم!!ولو حاولنا النظر في محتوى هذه المناهج ومراجعة مادتها العلمية فسنكتشف مدى ضحالة هذه المناهج ومدى سوئها وأحاديتها وحديتها،فهذه المناهج لا تحرص على تنمية القدرات الفردية ولا تهتم بالتعددية والاختلافات ولا تحرض على التفكير وثقافة الأسئلة،بل هي على العكس من ذلك تماماً حيث تعلم الطالب الغباء والوثوقية المعرفية الساذجة كما تشجعه على الأحكام الحديّة في المسائل النسبية والخلافية وهذه صفات المنهج الذي يشرعن الغباء والسطحية،ومن كان في شكٍ من ذلك فليقرأ هذه المناهج المضحكة وليتحدث مع طلاب هذه المناهج !!فهذه المناهج هي ساحة معركةٍ بين التيارات الدينية والليبرالية وبين السلفية والإخوان وبين كل مختلفين وهذا ليس في المناهج النظرية فقط بل حتى في المناهج العلمية!! وهذا التأثير للخطابات في التعليم سيكون موضوع المقال القادم إن شاء الله.
0566651519
التصنيف: