[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عائض القرني [/COLOR][/ALIGN]

إن من أعظم النعم سرور القلب، واستقراره وهدوؤه، فإن في سروره ثبات الذهن وجودة الإنتاج وابتهاج النفس، وقالوا: إن السرور فن يدرس، فمن عرف كيف يجلبه ويحصل عليه، ويحظى به استفاد من مباهج الحياة ومسارِّ العيش، والنعم التي من بين يديه ومن خلفه.
والأصل الأصيل في طلب السرور قوة الاحتمال، فلا يهتز من الزوابع ولا يتحرك للحوادث، ولا ينزعج للتوافه، وبحسب صفاء القلب وقوته، تشرق النفس.
إن خور الطبيعة وضعف المقاومة وجزع النفس، رواحل للهموم والغموم والأحزان، فمن عود نفسه التصبر والتجلد هانت عليه المزعجات، وخفت عليه الأزمات.
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما تمر به الوحول
ومن أعداء السرور ضيق الأفق، وضحالة النظرة، والاهتمام بالنفس فحسب، ونسيان العالم وما فيه، والله قد وصف أعداءه بأنهم \”أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ\” [آل عمران:آية154] ، فكأن هؤلاء القاصرين يرون الكون في داخلهم، فلا يفكرون في غيرهم، ولا يعيشون لسواهم، ولا يهتمون للآخرين.
إن عليّ وعليك أن نتشاغل عن أنفسنا أحيانًا، ونبتعد عن ذواتنا أزمانًا لننسى جراحنا وغمومنا وأحزاننا، فنكسب أمرين: إسعاد أنفسنا، وإسعاد الآخرين.
أصول فن السرور
من الأصول في فن السرور أن تلجم تفكيرك و تعصمه، فلا يتفلت ولا يهرب ولا يطيش، فإنك إن تركت تفكيرك وشأنه جمح وطفح، وأعاد عليك ملف الأحزان وقرأ عليك كتاب المآسي منذ ولدتك أمك.
إن التفكير إذا شرد أعاد لك الماضي الجريح والمستقبل المخيف، فزلزل أركانك وهز كيانك وأحرق مشاعرك، فاخطمه بخطام التوجه الجاد المركز على العمل المثمر المفيد، \”وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ\” [الفرقان:آية58].
أن تعطي الحياة قيمتها، وأن تنزلها منزلتها، فهي لهو، ولا تستحق منك إلا الإعراض والصدود؛ لأنها أم الهجر ومرضعة الفجائع، وجالبة الكوارث، فمن هذه صفتها كيف يُهتم بها، ويُحزن على ما فات منها؟!.
صفوها كدر، وبرقها خلب، ومواعيدها سراب بقيعة، مولودها مفقود، وسيدها محسود، ومنعمها مهدد، وعاشقها مقتول بسيف غدرها.
أبني أبينا نحن أهل منـــازل أبدا غراب البين فيها ينعـق
نبكي على الدنيا وما من معشـر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقــوا
أين الجبابرة الأكاسرة الألــى كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بعيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيــق
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلــق
وفي الحديث: \”إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم\”.
إن السرور باصطناعه واجتلاب بسمته، واقتناص أسبابه، وتكلف بوادره، حتى يكون طبعًا
إن الحياة الدنيا لا تستحق منا إعادتها العبوس والتذمر والتبرم.
حكم المنية في البرية جــــاري ما هذه الدنيا بدار قــرار
بينا ترى الإنسان فيها مخبــــرا ألفيته خبرا من الأخبــار
طبعت على كدر، وأنت تريدهــا صفوًا من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعهـــــا متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنمــــا تبني الرجاء على شفير هاو
والعيش نوم والمنية يقظـــــة والمرء بينهما خيال سـاري
فاقضوا مآربكم عجالاً إنمــــا أعماركم سفر من الأسفـار
وتركضوا خيل الشباب وبـادروا أن تسترد فإنهن عـــوار
ليس الزمان وإن حرصت مسالما طبع الزمان عداوة الأحـرار
والحقيقة التي لا ريب فيها أنك لا تستطيع أن تنزع من حياتك كل آثار الحزن؛ لأن الحياة خُلقت هكذا \”لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ\” [البلد:آية4].
وأخيرًا:
لا تحزن! فقد حار الأطباء، وعجز الحكماء، ووقف العلماء، وتساءل الشعراء، وبارت الحيل أمام نفاذ القدرة ووقوع القضاء، وحتمية المقدور.
عَسى فرجٌ يكون عَسى نعلِّل نفسَنا بِعَسى
فلا تقنط وإن لاقيــت هَمًّا يقضب النفَسا
فأقرب ما يكون المرء مِنْ فَرَجٍ إذا يئسَا
\”إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا\” [الشرح:آية6

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *