تعقب الجينات وتجاوز الأخلاقيات المهنية
[COLOR=blue]نهاد السكني[/COLOR]
اتم مشروع الجينوم البشري 22 عاماً وبنجاح منقطع النظير، هذا المشروع الجبار بدأ بقيادة أمريكية وبمساهمة من 10 دول مجتمعة وبمشروع بلغت ميزانيته 3 بلايين دولار حتى تم الانتهاء منه في العام 2003 بالاعلان عن اكتمال الجينوم البشري والتعرف على حوالي 30000 جين.
وعلى الرغم من ضخامة المشروع لايزال أمام العلماء الكثير لعمله وإن كان أحد مكتشفي الشكل اللولبي لل DNA العالم جيمس واتسون يعتقد أن هذا المشروع سيكون سبباً في القضاء على السرطان خلال العشر سنوات القادمة.
موضوعنا هنا مختلف عن تناول الانجاز وتأثيره العلمي على الوسط الطبي حيث سيكون حديثنا عن الأخلاقيات المهنية والخصوصيات التي قد يتم التعدي عليها بسبب سهولة الوصول لهذه الفحوصات بمبالغ زهيدة مقارنة بما سيتم الحصول عليه من معلومات.
ولنضعكم بالصورة نترككم مع بعض النقاط حول المشروع ومستقبله الاخلاقي:كانت تكلفة الوصول لأول فحص كامل للجينوم البشري هي مبلغ 100 مليون دولار لكن بحلول العام 2014 سيكون بإمكان الجميع الحصول على خريطة مفصلة عن الجينات التي يحملها بتكلفة 1000 دولار فقط باستخدام عينة من اللعاب! حسب المنظمة الصحية الأمريكية NHI.
هذا الانخفاظ بالسعر سيسمح بتوفر هذا الفحص لأي شخص مما سيجعل أرقام الإصابة ببعض السرطانات تنخفض بإذن الله .
على سبيل المثال الأشخاص الذين يحملون طفرة جينية في الجين BRCA1,2 يكونون أكثر عرضة للاصابة بسرطان الثدي.
– المشكلة هنا أن وجود طفرة معينة لايعني حتمية الاصابة بل فقط وجود قابلية مضاعفة مقارنة بمن لايحملونها وهذه نقطة مهمة.
مالذي يجعل من توفر الفحص بمبالغ زهيدة بل وبدون حاجة لمختبرات لإجرائه مشكلة أخلاقية مهنياً ؟
توفر هذا النوع من الفحص يعني القدرة على الحصول عن تفاصيل دقيقة عن الأشخاص بدون إذن منهم. خذ على سبيل المثال: زيارة قصيرة لمنزلي والاستمتاع بكوب شاي دافيء قد يعني قدرتي على الحصول على مخطط كامل لجيناتك عن طريق بقايا اللعاب على الكوب!
ماذا يعني حصولي على معلومات عن جيناتك؟
لنقل مثلاً أنني وجدت أنك تحمل جين يزيد القابلية لسرطان معين كيف سيكون تعاملي معك وهل سترضى بانتهاك خصوصيتك بهذا الشكل؟
ونذهب لأبعد من ذلك حيث سيكون هناك تصنيف للجينات بجينات جيدة وسيئة مما سيسبب عنصرية وتصنيف للناس بحسب جيناتهم! قد يقول البعض إني أبالغ هنا لكن لك أن تعلم أنه من المتوقع أن تشترط عليك الشركة التي تعمل بها أن تجري فحصاً لجين معين لتنال الترقية التي تستحقها في العمل.
أعتقد جازماً أنه خلال العشر سنوات القادمة لن يجري توظيف أية سيدة تجاوزت الأربعين بدون فحص للجينات التي تزيد قابلية الإصابة بسرطان الثدي وكذلك الرجال وقابليتهم لسرطان القولون أو البروستات.
هل هذا من حق الشركات أم تعدي على الخصوصيات؟ هل ننال الترقيات بسبب العمل أم توقع ما (قد) يحدث في المستقبل؟
صورة أخرى سيكون هذا الفحص من صالح شركات التأمين الطبي والتي ستتجنب قبول أي شخص يظهر قابلية لأمراض معينة أو زيادة الرسوم السنوية على أشخاص بسبب جيناتهم في ظل أنهم قد يعمروا بدون الاصابة.
أعتقد أنه يجب علينا الوعي بما ينتظرنا مستقبلاً وبذل مزيد من الجهد في التوعية والتحظير للقادم والحديث هنا لا يعني التقليل من المشروع أو إيقافه بل أنني أقول إنه اعظم انجازات العصر لكن يجب أن يكون العامة على وعي تام بالانتهاكات الأخلاقية مهنياً والمسارعة بفرض قوانين صارمة وبنود أخلاقية لطلب الفحص وعدم الزام العامة به لأسباب وظيفية.
التصنيف: