يحكى أن صياداً كان شديد المثابرة في مهنته ، وهمته في هذه المهنة عالية جداً ، فقد كان يخرج قبل ساعات من شروق الشمس ولا يعود إلا في ساعات متأخرة من النهار ، غير أن أوضاعه المالية ثابتة لا تتغير ولا تتطور ولا تتحسن ، في حين أن معظم الصيادين في قريته تطوروا بل وتحولوا من الصيد بالسنارة إلى الصيد بالمراكب الشراعية المزودة بكافة معدات الصيد فائقة القدرة والطاقة ، هذا الأمر أثار حفيظة زملائه الصيادين المحبين له والذين كانوا يشعرون أن ثمة خطب ما وراء فقره لا علاقة له بوفرة السمك في البحر أو مدى مهارته في الصيد ، وأن واجبهم الاجتماعي يحتم عليهم التقصي عنه لعل في ذلك مساعدة له ، وفي يوم من الأيام طلبوا من أحدهم أن يرافقه أثناء الصيد لعله يكتشف السر ، فقام الرجل بمراقبة ذلك الصياد من دون أن يشعر ، وإذ به كلما علق في سنارته سمكة قربها من قطعة خشبية كانت موجودة بالقرب منه ، فإن كانت في مستوى تلك القطعة أو أقصر منها احتفظ بها ، وإن كانت في مستوى أطول أعادها للبحر مرة أخرى ، واستمر على هذا الحال حتى ثارت حفيظة الرجل ، فقال له : أيها المجنون .. ماذا تفعل ؟ لماذا تعيد السمك الكبير للماء مستبقياً الصغير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ؟ فالتفت إليه وقال : لماذا احتفظ بسمك كبير وأنا أعلم أني لا أملك سوى مقلاة صغيرة ؟
منا في الحقيقة من هو صورة مطابقة لذلك الصياد وإن اختلفت المهام والأماكن والأدوات ، يبقى قيد مقلاته الصغيرة مدعياً أن هذه هي إمكاناته ، فكم من طالب تخلى عن مواصلة تعليمه لأن المقلاة الصغيرة في ذهنه تقول أن التعليم أكبر من طاقته.. وكم من شاب تقاعس عن دخول ميدان العمل وضيع على نفسه فرصة التكسب الحلال بحجة أن تلك المقلاة تقول له أن بدنه ضعيف لم يعتد على العمل الميداني ، وكم من آخر استسلم لتهكمات مجتمعه فتخلى عن أحلامه وطموحاته ، والقائمة تطول عن أشخاص كان من المفترض أن يكونوا في أوضاع أفضل لو أنهم تخلصوا من قيود تلك المقلاة الصغيرة ، وليبدأ كل فرد منا تأمل وضعه ومساءلتها .. أين كنت بالأمس ؟ وأين أصبحت اليوم ؟ وأين يفترض بك أن تكون في الغد ؟ فإن كانت جميع الإجابات تقول أن أوضاعك في ذات المكان فثمة بالتأكيد مقلاة صغيرة في حياتك !! تخلص منها وانطلق.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *