[COLOR=blue]عادل بن عبد العزيز المحلاوي[/COLOR]

عندما كنت في أيام الحج جلست أتأمل في مواقف ومناظر شاهدتها في الحج فقلت لعلي أن أخطها وأسطرها بقلمي لئلا تضيع , وهي مواقف يسيرة قد يقع غيرها في نفس غيري من الحجاج , ولكني أردت رقم هذه التأملات حتى ينتفع بها غيري .ومن المعلوم أنه لن يستطيع أحدٌ الإحاطة بدروس وعبر هذا الفرض الجليل كيف وهو ركن من أركان الإسلام العظام , ولكنها تأملات يسيرة منّ الله عليّ بها فمنها :
– عظمة الباري جل في علاه :
من تأمل في الأعداد الهائلة التي تقصد هذه البقاع في هذه الأيام , واجتماعها هنا , وأدائها لهذه الشعائر , يقفُ معظّماً لخالقه العليم بهؤلاء المحيط بهم , ويذعن ويخضع ويزداد إيماناً بربه سبحانه الذي له الصفات العلى والأسماء الحسنى .
تأمل معي في إحاطة الله بهم وعدهم وعلمه بحالهم \” لقد أحصاهم وعدهم عداً ..\” سورة مريم 94.
لقد علم الله في عليائه بهم ووقت مجيئهم ومحل استقرارهم وعلم بأحوالهم ونياتهم وحوائجهم ورغباتهم ووقوفهم ومبيتهم ودعواتهم ومطالبهم في علم جليل عظيم لا يغادر كبيرة ولا صغيرة من أحوالهم إلا أحصاها .
ومن نظر إلى الطائفيين حول البيت وتلكم الأعداد الهائلة , ومثلهم من في المسعى , وحال الواقفين في عرفات , ومن باتوا في المزدلفة , ونظر إلى أحوال الناس في يوم النحر فذاك يرمي وآخر يحلق ويقصر وثالث يشهد نحر هديه ورابعٌ يطوف في البيت وقل مثل ذلك أيام التشريق وقد رُفعت لكل واحد دعوة , وصعدت لكل واحد رغبة , قد أحاط بها سبحانه , وحقق منها ما تقضيه حكمته , علم علَم اليقين بعظمة الله جل وعلا وجلالة صفاته , والحديث في هذا الجانب هنا تنقطع عنده العبارات ولكن حسبي الإشارة إليه لتدبره .
– التذكير بيوم الجمع :
لقد كان لمناظر الحجاج وأعدادهم الهائلة وهم في طوافهم أو في سعيهم أو نفرتهم من عرفات ساعة الغروب واجتماعهم في رمي الجمار أعظم تذكرة لكل ناظر ومشاهد , ومذكّرا باجتماع الناس يوم القيامة وسيرهم على أقدامهم لأرض المحشر. .
لقد كانت النفوس وهي في شدة الزحام والعرق ينزف من الأبدان وانشغال كل واحد بحاله يذكر بذلك اليوم العظيم , يوم يخرجون حفاة عراة غُرلا , لا والد منتبها لولده , ولا ولد قد أهمه حال والده , لأن كل واحد قد أشغله حاله عن حال غيره .
كنت أنظر إلى الناس وهم متوجهون إلى رمي الجمار وترى الصفوف متصلة واللباس واحد والسير إلى جهة واحدة فأقول لمن كان معي انظر إلى هذا الزحام وتقارب الأجساد وهم في بقعة صغيرة من الأرض , فكيف إذا جمع الله الخلائق جميعاً في بقعة من الأرض ؟
كم هي في عظمتها ؟وكم ستكون تلك الأعداد الهائلة الذين هم من آدم عليه السلام إلى آخر من يخلق الله من البشرية ؟
وهم في عراء وعُري ودنو شمس وتجرد من كل رسوم أهل الدنيا وأسمائهم , في أحوال متباينة مختلفة باختلاف أعمالهم
لقد كانت مواقف عبر وتذكير بذلك اليوم العظيم لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
والفرق بين هنا وهناك أن هنا يوم تحصيل الأجور والحسنات وهناك يوم الجزاء والحساب , فاغتنم بقية عمرك ما يكون لك أعظم زاد يوم يجمع الله والأولين والآخرين ليوم الجزاء والحساب .
– بقاء الخير في الأمة :
من نظر في رغبة عامة المسلمين على الحج وحرصهم على أداء هذا النسك مع مافيه من المشقة , والبعد عن الترفه , يعلم علم اليقين وجود الخير في عامة المسلمين ورغبتهم فيما عند الله تعالى من الثواب , لقد تعبوا في سفرهم وطوافهم وسعيهم وبقية مناسكهم ومع ذا فلا تسمع تأففاً ولا تضجراً بل كل واحد منهم يتمنى العودة والأوبة لهذه المناسك لحبه وتلذذه بهذه الطاعات , وتسمع منهم الدعوات ليوفقهم الله مرات ومرات للحج وأداء هذا النسك العظيم .
وهنا دعوة لكل داعية وكل موجه في المجتمع إلى استغلال بذرة الخير الموجودة أصلاً في نفوس المسلمين وتعزيزها وتقويتها .
ما أجمل أن نثني على من قدم من الحج ونرغبه في الاستقامة الدائمة , والحرص على الازدياد من القربات والطاعات لتأهل نفسه لذلك .
أمر حسن أن نذكره بجميل فضل الله عليه واصطفائه له ليكون في استجابة تامة لأمر ربه حتى يلقاه .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *