بين العقل واللاعقل في الرياح العربية

admin

إدوارد فيلبس

ثلاث ثورات تحققت حتى الآن ، وثلاثة رؤساء تم الإطاحة بهم ، مع اختلاف أسلوب وطريقة الإطاحة ، أولها الثورة التونسية ، وكتعبير شخصي اعتبرها أعقل الثورات ، هرب الرئيس زين العابدين ، أراح واستراح ، ويمكن أن أصفه بالذكاء ، لأنه تفادى التشبث بالكرسي مكتفياً بالسنوات العديدة التي التصق فيها كلاهما بالآخر ، نفد بجلده قبل أن تطوله الأيدي فاستراح ، وأراح الثوار من الدخول في دائرة الانتقام من النظام التي كان من الممكن أن تقود إلى وضع غير مستقر لوقت طويل ، وفي الحقيقة ليس إطراءً مني أن أصف الشعب التونسي بالشعب الواعي لأنه استطاع أن يلملم نفسه وها هو الآن يدخل مرحلة الانتخابات وبطريقة ديمقراطية ويكفي أن المرأة تتصدر قوائم المترشحين والإدلاء بصوتها في الإنتخابات دون مزايدات عليها ودون تعنت، ولذا أتوقع لتونس السير السريع نحو تحقيق الأهداف الثورية وتحقيق الدولة المدنية والاستقرار السياسي والإجتماعي .
الثورة الثانية في مصر ، وللأسف حتى الآن لا يمكنني أن أضعها في خانة العقل ، بالرغم من أن الباب كان مفتوحاً على مصراعيه للوثوب إلى مرحلة ما بعد الثورة ، وإنجاز خطوات مشرفة للخروج من مرحلة ما قبل الثورة بكل ذنوبها ثم الدخول إلى مرحلة ما بعدها لتحقيق ما هتف به الثوار الحقيقيون في الأيام الأولى للثورة وقبل أن تختطفها الذئاب اختطاف الجمل بما حمل ، وليتهم عرفوا قيمة الجمل وقيمة ما حمل ، لكنهم للأسف نحروا الجمل وبعثروا حمولته ، وقفزت مصر إلى قمة الفوضى والارتجال ، الجميع جحظت عيونهم في جشع للفوز بالنصيب الأكبر من الكعكة وضربوا بمصلحة الوطن عرض الحائط ، وقد يكون من الأسباب الرئيسية التي عكست وضعاً غير مضبوط التركيز على الانتقام من النظام السابق أكثر من التركيز على مقتضيات الوطن ، وتشعبت الأمور وتعددت الأحزاب ولعبت التيارات الدينية دورها وتكاتف الجميع على إغراق الوطن والدخول به إلى متاهات وتعقيدات حطمت أساسيات الاقتصاد بأفعال غير مدركة وغير واعية.
الثورة الثالثة هي الثورة الليبية ، ولست أعلم لماذا لا أشعر بالتفاؤل نحوها؟، ويراودني الإحساس بأنها ستدخل في تيارات واتجاهات قد تطيح بكل الأمل في أن يشرق عليها عهد جديد، وقد يكون هذا التشاؤم تولد منذ اللحظة الأولى بالنهاية البشعة لرئيسها معمر القذافي ، نهاية وحشية ، وأضافت إلى صورة الدول العربية أمام العالم كله ظلالاً جديدة فيما يدعونه عليها من همجية السلوكيات الإنسانية ، آراء كثيرة قرأتها عن هذه النهاية بين التأييد وبين الاستنكار، لكن لا يصح إلا الصحيح ، مهما كانت أخطاء معمر القذافي، وقوفه أمام محكمة عادلة كان سيعطي مفهوماً دينياً وأخلاقياً عالياً ، لكن ما فعله الثوار به لا يبشر بخير ما يليه ودعوة إلى ممارسة وحشية قانون الغاب.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *