أ.د. محمود نديم نحاس

جاءتني بالبريد الإلكتروني لقطة فيديو مأخوذة من مقابلات في شارع مدينة عربية مع شرائح مختلفة من الرجال والنساء. وفي اللقطة عدة أسئلة، أولها عن بيرلسكوني، الذي لم يعرفه أحد ممن سئلوا عنه. لا بأس ألا يعرفوه، لكن أن يقولوا عنه ملاكم، ممثل رومانسي، شيء يُستخدم في السيارات الفخمة، فهذه الطامة الكبرى. أما سؤال: ما هما الحزبان الرئيسيان في أمريكا؟ فمن إجاباته: حزب الفيتو وحزب الناتو، حزب الاتحاد وحزب الليكود. وأين تقع دولة المجر؟ تراوحت الإجابات بين أفريقيا وآسيا، لكن أغرب جواب: ليست دولة بل كوكب. وما هي الدول التي تحد قبرص براً؟ كانت: اليمن، روسيا، سوريا ولبنان. وما هي الدول التي تحد الفاتيكان؟ كان منها: فرنسا وسكوتلاندا وبريطانيا، إيطاليا وألمانيا، أفغانستان وباكستان والفلبين. ومتى انضمت إيران لجامعة الدول العربية؟ فذكروا سنوات بعينها. والمفاجأة كانت في سؤال: من هي صاحبة أغنية (…)؟ فقد كانت كل الإجابات صحيحة.
اختتمت لقطة الفيديو بعبارة: يقرأ الطفل العربي حوالي ست دقائق سنوياً خارج منهاجه الدراسي.
انعدام التربية على القراءة في الأسرة منذ الصغر، وعدد النسخ المطبوعة من أي كتاب ثقافي غير مقرر في المدارس والجامعات، وبقاء بعض الكتب على أرفف المكتبات سنوات نتيجة الإقبال الهزيل على شرائها، وعدم وجود المكتبات العامة، كل هذه مؤشرات على ضعف الثقافة. وأذكر أني في بريطانيا سكنت فترة في قرية سكانها خمسة آلاف، وكان في المدينة القريبة منها (سكانها ثمانون ألفاً) مكتبة عامة يستطيع أي شخص أن يقرأ فيها أو يستعير منها كتباً دون أي تعقيد، لكن الأجمل هو المكتبة المتنقلة التي كانت تزورنا في القرية كل أسبوع، وهي أوتوبيس كبير تمت إزالة مقاعده ووضع فيه أرفف مملوءة بالكتب، وكان له مكان محدد يقف فيه ليستعير الناس الكتب منه. كل هذا لتكريس ثقافة القراءة كسلوك إيجابي للتثقيف واكتساب المعرفة، والتأكيد على دورها في مجال الحياة وفي التنمية في الفكر والمعرفة.
يظن بعض المحللين أن الكتاب الإلكتروني حل مكان الكتاب الورقي، لكن عند مقارنة عدد أجهزة الآي باد التي بيعت في الدول التي تقرأ وتلك التي لا تقرأ، يظهر المستور.
عندما أطلق الروس قمرهم الصناعي الأول، برز سؤال كبير في أمريكا: لماذا سبقونا؟ وبعد الدراسة كان الجواب: إننا لم نعلم تلامذتنا القراءة الجيدة! ثم رفعوا شعار (من حق كل طفل أن تهيأ له جميع الفرص ليكون قارئاً جيداً). فهل تتعلم أمة (اقرأ) أهمية القراءة؟ وهل تدرك أن المعرفة صارت صناعة أساسية في عصرنا، فصرنا نتكلم عن مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة… وهل نجعل القراءة عادة وسجية عند أولادنا لنطرد الجهل ونتغلب على الخرافة؟
ويبقى السؤال المهم: لماذا عرف الناس اسم المطربة ولم يعرفوا غيرها؟
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *