[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]يوسف اليوسف [/COLOR][/ALIGN]

سُئل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: كم بين التراب والعرش؟ أي كم المسافة ما بين الأرض وعرش الرحمن ـ فظن السائل أن الإمام سوف يجيبه بتقدير المسافة بعدد الأميال والكيلومترات لكن الإمام يرحمه الله أجاب في بيان فصل: (بينهما دعوة مستجابة) أي أن المسافة بينهما هي الدعوة المستجابة.
فالدعاء طريق النجاة، وهو سلم الوصول، ومطلب العارفين والمحتاجين، ومطية الصالحين، ومفزع المظلومين وسهام الذاكرين والسائلين وفي هذا يقول الإمام الشافعي يرحمه الله (سهام الليل لا تخطئ ) فقد جاء في شعره:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه ولا تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطئ ولكن لها أمد وللأمد انقضاء
فيمسكها إذا ما شاء ربي ويرسلها إذا نفذ القضاء
فأين نحن من تلك السهام لقد من الله تعالى بكرمه وفضله على العباد بأنعم لا حصر لها.. منها هذا الحديث الشريف المحفز والمرغب والمبشر لكل مهموم ومكروب ولكل ذي حاجة والذي لا يأخذ منه جهداً أو عناء ونتيجته فضل ومكرمة من الكريم سبحانه.. وأي كرم.. وأي جود ..وأي رحمة؟! فقد جاء في صحيح البخاري من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ».
لقد تَضمَّنَ هذا الحديث فضلاً عظيماً لمن تعَارَّ ودعا بهذا الذكر.. فقد كان السلف يناجون الله في الأسحار ويدعونه ويسألونه، وكانوا يحرصون ويجتهدون في إخفاء قيامهم خوفاً من الرياء والسمعة وإحباط العمل.. فمثلا كان (عبد الرحمن بن أبي ليلى) يرحمه الله يصلي في بيته فإذا شَعَرَ بأحدٍ قطع صلاة النافلة ونام على فراشه ـ كأنه نائم ـ فيدخل عليه الداخل ويقول: هذا لا يفتر من النوم؟! معظم وقته على فراشه وهو نائم؟! وما علموا أنه يصلي ويخفي ذلك عليهم خوفاً من الرياء.
لقد كان علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهم يحمل الصدقات والطعام ليلاً على ظهره، ويوصل ذلك إلى بيوت الأرامل والفقراء في المدينة، ولا يعلمون من الذي وضعها، وكان لا يستعين بخادم أو غيره لئلا يطلع عليه أحد.. وبقي على ذلك سنوات طويلة، وحتى الفقراء والأرامل ما كانوا يعلمون كيف جاءهم هذا الطعام.. فلما مات وجدوا على ظهره آثاراً من السواد، فعلموا أن ذلك بسبب ما كان يحمله على ظهره فما انقطعت صدقة السر في المدينة في ذلك الوقت حتى مات زين العابدين. هذا إلى جانب الكثير من الأدعية والأذكار التي تقرب العبد من ربه وتكون سبباً في إجابة الدعاء.. فقد روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما على الأرض أحد يقول لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر.
لقد حملني لأذكر القارئ الكريم بفضل سهام الليل التي ذكرها الإمام الشافعي في أبياته هو جميل ما أسمعه كل صباح في برنامج (بك أصبحنا) من إذاعة القرآن الكريم،ذلك البرنامج الناجح الذي قلّ أن تجد شخصاً شاباً أو مسناً إلا ويذكر لك جميل ما سمعه في هذا البرنامج الذي يتناول مواضيع اجتماعية هامة في حياة الناس وربطها بتعاليم الدين ويضفي بمداخلاته الشيقة المفيدة الكثير من الفوائد والإشراقات التي يحتاجها المرء في هذا الوقت الذي يمتد حوالي الساعة بعد أن يكون المسلم قد أكمل قراءة الأذكار والأدعية المأثورة بعد صلاة الفجر.. فيعيش مع هذا البرنامج سواء في منزله أو في طريقه للعمل ساعة من الأريحية المفعمة بالإيجابيات التي تجعله يبادر ليحكي لأقرانه وأصحابه ما قد سمع خلال هذا البرنامج الناجح والشيق وما أضافه له من معارف خصوصاً في هذه الساعة ساعة الصباح حيث صفاء الذهن وخلو البال من المشاغل والشوارد.
وختاماً أود أن تستمر مثل تلك البرامج الهادفة ولابد لنا من إسداء الشكر والتقدير لكل القائمين عليه والدعاء لهم بالتوفيق.. كما أتمنى أن يتخلل البرنامج تذكير للناس بهذه الأحاديث الشريفة مثل حديث (من تعار من الليل) أي استيقظ من الليل وغيره من الأحاديث.. وأن يصطبروا عليها في كل مرة خصوصاً في هذا العصر الذي انشغل فيه الكثير من الناس ـ إلا من رحم ـ بمتطلبات الحياة وذهاب معظم الليل في المجاملات والسمر ـ حتى ينتبهوا للفوائد الجمة ويحرصوا على بذل الدعاء في الأسحار خاصة أصحاب الهموم والحاجات…وكلنا ذلك الرجل إلا ما رحم ربي.. فإذا كان ذلك الفضل الكبير يتحقق للمسلم بمجرد دعائه بمثل تلك الأدعية الواردة في الأحاديث الشريفة والتي لا تأخذ منه وقتاً يذكر.. يقولها مناجياً بها ربه فكيف بالقائمين الليل؟.. وكيف بالمستغفرين بالأسحار؟.. وكيف بالذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟. فقد وعد سبحانه بالإجابة ومن أصدق من الله قيلا؟. وإن استطاع أن يتوضأ ويصلي ركعتين فقد ضمن قبول صلاته كما جاء في الحديث الشريف..جعلنا الله وإياكم منهم آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *