بعيدًا عن الرماد البركاني

يوسف اليوسف

تلك السيدة المسنة التي جاءت تتهادى لتدلي بصوتها في الانتخابات بالسودان، لفت انتباهي سؤال وجه لها في إحدى الفضائيات عن الانتخابات فقالت: (الشغل كويس جدّاً) ثم مضت.. وبهذا التصريح البسيط وقف المذيع حائراً يتأمل كلماتها وهو ينظر ويشاهد شرائح ونماذج متعددة يأتون للتصويت في اهتمام وتنظيم غير مسبوق.. غير أنه بدا عليه عدم الاقتناع لعدم كفاية المعنى الذي يريده من السؤال.. لذلك أحببت أن أجد إجابة شافية لهذا المذيع، فهي أولاً يا سيدي أوجزت لأنها لا تعبأ بما يقول الناس من مسميات (الدائرة الجغرافية..المراقبون الدوليون..المراقبون المحليون..الخ) ولا بما يحدث حولها في هذا العالم،لا السحب والرماد البركاني الذي صار هاجساً لمعظم الدول الأوربية وتعطلت بسببه الكثير من الرحلات وتكبدت العديد من الشركات الناقلة خسائر جراء ذلك الرماد الذي إن هو علا في الجو كان وبالاً على الطائرات وحتى الطير وأسرابها.. وإن هو انخفض كان وبالاً على الإنسان والنبات والحيوان.. ولا عما أحدثه ذلك الرماد من موقف طريف للعروسين اللذين علقا في مطار دبي ولم يتمكنا من العودة إلي لندن لإقامة فرحهما مما اضطر المدعوِّين إلى حفل الزفاف المقرر له في لندن للمشاركة والمشاهدة لحفل الزواج عبر الانترنت باستخدام برنامج الدردشة المعروف (سكاي بي).
وثانياً لأنك ربما لو سألتها ثانية عن رأيها في كل ذلك لأجابتك ببساطة: (إن من أخرج البركان من قاع الجبل ووسط الماء البارد وأوقد الدخان وسحب الرماد البركاني قادر على أن يحسرها ويجنب خلقه أضرارها ويلطف بعباده لأنه بيده الأمر كله. ولذلك فإنها تعبأ فقط بأمانيها ومستقبل وأمن بلادها وسلامة أبنائها الذين مزقتهم الحروب الأهلية في السابق.. فنعمة الأمن من النعم الكبيرة التي يمن الله بها على العباد.. أدام الله تعالى أمنه وأمانه ونعمه على هذه البلاد الطيبة المباركة وعلى سائر بلاد المسلمين وحقق لتلك السيدة العجوز ما تمنت..
وأخيراً لأنها ضَمَّنت أمانيها وأمنياتها في تلك البطاقة فكانت ترشح وتبث آمالها وأحلامها ومناشدتها وهي تقول: (أولادي المرشحون كلكم أبنائي لكني اخترتكم ورشحتكم من بين إخوانكم مؤملة فيكم كل الخير للبلد أوصيكم أن تحققوا السلام وتوقفوا الحرب وتعفوا عن بعض.. وتعمروا الأرض وتحموا العرض.. وعوضوا كل من فقد \”زوله\” في الحرب وما لحق القرى من السلب.. وفروا العلاج وكتروا المستشفيات وزوجوا البنات والأولاد (بالفي والمافي) بدون إسراف أو تعب.. وصلحوا الدرب.. واملؤوا القِرَب وأشعلوا الحطب وأشبعوا الجار ومن جاء ومن بِعِد وزيدوا في الخير وأكثروا الحمد.. ونَدرٌ عليَّ أصوم يومين شكرًا لله الواحد الأحد لو حققتكم ما في نيتي والقلب،وسأذبح ـ كرامة لله ـ حملاني وأديها للمساكين والجيران.. يا أولادي يا أولاد البلد أولاد السرور أولاد جوفي والحشا والكبد، وعليكم الله تبقوا عشرة وللأبد، والشغل كان كويس ولله الحمد.