ليلى عناني

كم من البصمات تتركها الأيام في خيالنا وإن احتجنا حصرها لن نستطيع ولكن يمكننا استرجاع بعضها من فترة وأخرى فهي تظل عالقة في عقولنا وذاكرتنا. من تلك البصمات، كانت لي جارة مُسنة في إحدى ضواحي العاصمة البريطانية لم تكن على ديانتي الإسلامية بل كانت من أهل الكتاب. تعرفت عليها وأصبحت تأتي لزيارتي يومياً تقضي معي أغلب ساعات النهار كانت تعيش وحيدة بلا أهل فكبار السن في الغرب يتخلى عنهم كل الأهل الذين لا يعيرونهم أي اهتمام فالكل يعيش لنفسه فقط، بقيت هي رغم ثرائها وحيدة من الأهل والأصحاب فقد أصبحت عاجزة عن القيام بأي شيء كانت تأتيها سيدة تقوم على تنظيف بيتها وغسل ملابسها مرة واحدة في الأسبوع وكانت تذهب للكنيسة يوم الآحاد كي تتناول وجبة غذائية \”حارة\” تقيم أودها لأسبوع آخر وهكذا تمر أيامها! كان طبيبها يعودها لمتابعتها لدينا ويجد السرور والسعادة على وجهها فقد تغير روتين حياتها بعد تعرفها علينا بعدما كانت تتناول أدويتها وتنتظر \”منيتها\” وقد حددت ما تريده بعد وفاتها وهو \”الحرق\” لأنه أرخص الطرق لنهاية حتمية فالمقابر مرتفعة الأثمان وفي كل الحالات ستغادر هذا العالم بلا رجعة مثل أي كائن حي.
شاركتنا لحظات كثيرة في مناسبتنا بنوعياتها السعيدة وغيرها كانت مرحة الطباع جداً وبدأت تتحدث معي تدريجياً عن ديانتنا الإسلامية وكنت أشرح لها ما تود معرفته خاصة عن العلاقات الأسرية ومكانة كبار السن لدينا ووضعهم بين أبنائهم وأحفادهم، كان يسعدها جداً ما تسمعه عن احترامهم وبقائهم تحت رعاية الأبناء حتى آخر لحظة في حياتهم وكانت تتملكها الدهشة عندما أخبرتها حق الجار عندنا حتى الجار من غير المسلمين وأن الإسلام يحمي المسلمين وغير المسلمين على السواء ويحفظ حقوقهم ويتركهم على عباداتهم ومعتقداتهم إذ أن حرية التدين من صُلب التعاليم الإسلامية إلى قيام الساعة.
كانت \”آني\” وهذا اسمها تجد فينا ضالتها وقد رق قلبها كثيراً لهذا الدين وكم من المرات طلبت مني أداء صلاتي في بيتها لتحل البركة عليها ونفذتُ أمنيتها وكانت تلك أسعد اللحظات في حياتها كما قالت.
همسة: فعلاً لا يكفي أن نؤمن بل علينا أن نمارس إيماننا.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *