بصمات أول الميزان
أ. د. بكر بن عمر العمري
لكل دولة من دول العالم يوم يسمى اليوم الوطني، وربما ليس مهماً الاسم ولكن المهم ان هناك بصمات لهذا اليوم على سيرة الدولة وتطورها داخلياً وخارجياً.
ومن هذا المنطلق جاء اختياري للعنوان لان اول الميزان يعتبر من كل عام فرصة لاستحضار الماضي بغرض التركيز بإنجازاته منذ عام (1319) والاستفادة من دروس مناسبته في اطار مواجهة تحديات الحاضر واستشراف آفاق المستقبل والاستعداد له. وتتحول هذه المناسبة الى مسؤولية تجاه الاجيال الجديدة التي جاءت الى الحياة بعد رحيل مؤسس دولتهم الملك عبدالعزيز يرحمه الله .
وبالطبع لا يطمح هذا المقال بأية حال من الاحوال الى سرد شروط احداث التطورات السياسية التي احدثها الملك عبدالعزيز، الا انه يركز على نوع معين من هذه الاحداث في فترة زمنية محددة لعبت دوراً اساسياً وتاريخياً مهما في صياغة نظام علمي جديد وفي رسم خريطة جديدة على الصعيد الجيولستراتيجي للعالم حينذاك.
واذا كان الباحثون قد ادمنوا الحديث عن بزوغ شمس نظام عالمي جديد بعد انهيار الحرب العالمية الثانية، فانه من الاجدى لنا ان نتذكر ان التجربة السعودية التي قام بها الملك عبدالعزيز قد ساهمت فعلياً وبدور رئيسي في صياغة نظام علمي جديد بمشاركتها الفعلية في تأسيس الامم المتحدة وتوقيعها على ميثاقها كدولة مؤسسة في مدينة سان فرانسيسكو عام (1945).
واذا اردنا الانتقال من الاجمالي الى التفصيل نقول ان سلسلة الخطوات التي قام بها الملك عبدالعزيز الصراع السياسي الداخلي في شبه الجزيرة العربية عام (1319) قد تطورت بشكل تدريجي من مجرد قرارات واحداث متفرقة الى نسق متكامل من السلوك في السياسة الخارجية (اقليمياً ودولياً) سعيا لتأصيل الانصهار الوطني وقيام الدولة الجديدة وترجمتها بشكل فعال وحي في صورة توجهات وممارسات بالانضمام في اقامة الجامعة العربية والامم المتحدة.
وقد تميزت بصمات اول الميزان في صورة دور المملكة القيادي على الساحة الدولية عبر مؤتمر باندونج عام (1955) في التصدي لكل اشكال الاستعمار وأكد حق الشعوب في السيطرة على قراراتها الطبيعية وحقها في الاستقلال.. ولم تتوقف المسيرة السعودية عن هذه المشاركة بل امتد مداها العربي لمقاومة كل اشكال الاحلاف واجهاضها، ودعم التحرير الوطني في افريقيا واسيا حتى حققت دولها الاستقلالية.
ومن السهل على المرء اليوم ان يحكم على تلك الاحداث والمساهمات التي حملتها تجربة الملك عبدالعزيز في التطور السياسي في شبه الجزيرة العربية بمعايير العالم الذي نعيشه الآن، الا ان الانصاف والموضوعية يقتضيان ان يكون الحكم طبقاً للواقع الذي كان سائداً حينذاك – قبل قدوم الملك عبدالعزيز – وفي ضوء طبيعة النظام الدولي وتوازنات القوى الموجودة. ففي ظل ذلك أدخلت التجربة السعودية في البناء السياسي تغييراً جذرياً في العلاقات الدولية وانعكاساتها الاقليمية.
خلاصة القول.. ان ما سبق ما عرضناه كانت له جوانبه الايجابية وترك بصمات اول الميزان عليه، فاستحق ان تحسب في خانة انجازات التجربة السعودية،
كما ان ما سبق يعني ان ما تحقق من اسهام سعودي فعال في تغيير خريطة المنطقة والعالم قد تم بقيادة حكيمة وان ما اقصد من بصمات اول الميزان هنا هو ان تفاعل التجربة السعودية مع التيار العام لحركة التاريخ تأكيداً للقيمة الكلية لما تحقق وابراز للاجيال السعودية الشابة بان اول الميزان كانت له بصماته الاقليمية والدولية التي يحق لهذه الاجيال ان تفخر بانجازات التجربة السعودية لان التاريخ لا ينسى وهو التاريخ الذي لا يمكن لأي سعودي ان ينساه وذلك توطيد لمفهوم الهوية الوطنية.
التصنيف: