بريطانيا وحقيقة أوروبا

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد خليفة[/COLOR][/ALIGN]

تمر أوروبا بحقبة من الانعطاف على مستويات الفكر السياسي والمرتكزات الأيديولوجية الاجتماعية والاقتصادية فلسفة ومنهجاً، وتتجه نحو الانفكاك والانطلاق في مسارب جديدة، وبالأحرى إلى التدهور والسقوط والمعاناة على درب التجربة والخطأ، من دون النظر إلى منجزات الرواد الذين شقوا الطريق أمام موكب الوحدة الأوروبية، وأخذوا بعنان التاريخ، وقادوا القافلة، وتعاهدوا شجرة الحضارة الإنسانية بالعرق والصبر والضرورة الحتمية في مسيرة الحقيقة، وأناروا قرن العبقرية بجهودهم بغية إيجاد منهج جديد في ميدان الفكر والاندماج، ومجرى يشقه سيل ميدان العلم والعمل إلى ملاعب النسور فوق ذرا المعرفة .
ومن بداية الانحسار المتسارع الذي نشهده ابتداءً من تحذير الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لبريطانيا من أن الاتحاد الأوروبي لن يخضع للضغط من أجل إعادة التفاوض على اتفاقياته الأساسية من خلال خطط لندن لإجراء استفتاء، ونقل التلفزيون الفرنسي عن هولاند قوله: “يجب أن تؤخذ أوروبا كما هي، يمكننا تطويرها، ولكن لا يمكننا أن نحط من قدرها، أو نقلل منها بذريعة الاستمرار داخلها” . وجاء هذا التحذير كرد فعل لتعهد رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون بطرح مسألة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي على البريطانيين في استفتاء، إذا فاز بانتخابات مقررة في عام 2015 . وقال كاميرون: “لقد زادت خيبة الناس في الاتحاد الأوروبي إلى حد لم يسبق له مثيل” . وسيخوض حزب المحافظين الذي ينتمي إليه كاميرون الانتخابات عام 2015 بوعد التفاوض بشأن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي .
ورغم أن بريطانيا ليست جزءاً من منطقة اليورو، فإن انعكاسات الأزمة الاقتصادية الأوروبية داهمتها لأنها شريك اقتصادي لدول الاتحاد، وقد لاحت بوادر هذه الأزمة على الاقتصاد البريطاني – المعروف بأنه من أقوى الاقتصادات في العالم – ولذلك تعالت الدعوات لدى النخب البريطانية للتنبه من خطورة ما يجري في أوروبا على بريطانيا، وبلغت هذه الدعوات حد المطالبة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي .
وقد رأى حزب المحافظين أن الشعور البريطاني الغالب هو الرغبة في الفكاك من هذا الاتحاد، ولهذا اندفع هذا الحزب ليتخذ من هذا الأمر شعاراً في الانتخابات عام 2015 . والواقع أن انسحاب بريطانيا المتوقع من الاتحاد الأوروبي، لن يشكل خطراً على اليورو، لكنه بكل تأكيد سيترك بقية الشركاء الأوروبيين يتجرعون وحدهم مرارة الخروج من أزماتهم الاقتصادية المتلاحقة التي قد تعصف بالاتحاد الأوروبي، وعودة كل دولة من دوله إلى حدودها الوطنية اقتصادياً، وربما سياسياً أيضاً .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *