برميل النفط وبرميل الماء
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]خيري منصور [/COLOR][/ALIGN]
سبعون نهراً أصابها الجفاف في هذا الكوكب الذي كان قدره أن يراوح بين براميل النفط وبراميل الدم وبراميل الماء ، وثمة أجراس تقرع حول مستقبل أكثر جفافاً لأن الانسان بدد بسفاهة ما ورثه عن أسلافه القدماء من هذه الأرض ، التي كانت طيبة ورؤوماً ومعطاء عندما كان رفيقاً بها ثم أدارت له ظهرها بعد أن أفرط في عضها ونهش أثدائها والتلاعب بأعصابها.
في دافوس الأخير ، ثمة تقارير غطتها السياسة ومشاهدها الدراماتيكية ، منها هذا التقرير الذي تتداوله الصحف الآن بمعزل عن أية وصفات مقترحة للاستدراك..
فالظمأ قادم لا محالة ، وسعر برميل الماء سوف يتفوق على سعر برميل النفط بعد أقل من عشرين عاماً ، وثمة حروب يتحدث عنها الاستراتيجيون والباحثون في المستقبليات اسمها حروب الماء.. فالبشر تحاربوا في التاريخ من أجل الملح عندما شح ومن أجل السكر والقمح.
إن أرخص البراميل في هذه البورصة الكونية هي براميل الدموع والدماء التي تنزفها شعوب لا حول لها ولا قوة ، وكل ما تسعى اليه هو توفير الحد الأدنى من شروط الحياة ، لكن سادة الفقر كما يسميهم السيد هانكوك يريدونها حياة عضوية منزوعة السيادة ومفرغة من الكرامة منذ قرروا أن الإنسان يعيش بالخبز وحده.. لكنه لم يعد يجد الرغيف بعد أن استعاد الغاب قوانينه الأولى وأصبح الاحتكام للقوة وحدها حتى لو كانت عمياء، ولا نحتاج الى كثير من الخيال كي نتصور ما سيحدث عندما يتفوق سعر برميل الماء على سعر برميل النفط ، لأن هذا التوقع ضمن المدى المنظور وليس بعد ألف عام، لن يجد أكثر الناس في العالم ما يشربونه أو يغتسلون به أو حتى يغلسون به موتاهم، ويترتب على ذلك عودة مظفرة لأوبئة توهم الانسان الحديث بأنه ودعها الى الأبد وكسر وراء آخر ضحاياها جرة فخار، إنها نبوءة الأرض اليباب التي تحدث عنها الشاعر اليوت في النصف الأول من القرن الماضي ، حيث تتحول الآبار الى أفواه فاغرة تظهر منها الاسنان الحجرية المنخورة ، وحيث لا يحمل السحاب غير الغبار والدخان، ما الذي علينا أن نفعله ونحن نقرأ مثل هذه التحذيرات؟
وكم تبقى لنا من احتياطي الماء إضافة إلى احتياطي الدم والنفط وماء الوجوه أيضاً؟
بعد أقل من عشرين سنة سوف تفقد كل من الولايات المتحدة والهند كامل المحصول الزراعي ، ويشح الماء في العالم كله ، بحيث ينصرف الظامئون الى البحث في دفاتر صخورهم وجبالهم القديمة ، وقد نعود لبقر بطون الجمال ، وقد ينتهي بنا المطاف الى الموت بالجملة نتيجة العطش هذه المرة.
إن قرع الأجراس وحده لا يكفي خصوصاً بعد هذا الصمم الوبائي الذي حولنا جميعاً الى طرشان، قليلاً من المبالاة أيها اللامبالون حتى بأبنائهم وأحفادهم المدرجين على قائمة الموتى جوعاً وإبادة وظمأ .
عن الدستور الأردنية
التصنيف: