[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]أنس الدريني[/COLOR][/ALIGN]

ينحسرُ الطريق كخصرٍ مجدول إلى ما قبل سوق السمك على ضفاف أملج الساحلية , هناك أشتم رائحة العبق ينبعث من طوب إحدى الدكاكين التي خصصت لصناعة القوارب البحرية الصغيرة والتي تصنع من خشب (الشلمان) بعناية فائقة على يد ذلك الرجل السبعينيُ الذي امتهن هذه المهنة منذ أن كانت أملج ميناءً بحريا تعج مراسيه بحركة التجار والبحارة .. في أجزاء من دكانه العتيق (خصف) و(مُعرى) وهناك (مخدجة ) علقت بطريقة فنية مميزة ويبدو على الجدار صور قديمة وأمام بوابة دكانه علب دهان متناثرة, يستهل حديثه بعد أن أشار بيدِهِ إلى موقع ما في وسط البحر مؤكدا أنه كان يحتضن صخرة كبيرة ساحرة في منظرها عرفت منذ تاريخ أملج القديم (بالفنديّرة) كانت علامة بارزة لها منظر في منتهى الجمال تشاب الروشة في بيروت . كانت الهوارى تمر بين تجاويفها و الحوت ينشّر على ظهرها والنسوة يغسلن الملابس عندها ومحبي السباحة يقفزون منها في تناغم أخاذ, اعتادت أن تغازل الجُزر المتناثرة على امتداد الواجهة البحرية كلما عانقها شعاع الشمس وكلما داعبها موج البحر مع هبات النسيم الرقيقة .. لم تدم الفنديرة طويلا لتآنس الأجيال بمنظرها الخلاب لقد هُدمت من قبل جهلاء لم يعرفوا قيمة التاريخ في زمنٍ قاتم تلبدت في سمائه سحب الجهل, لقد سُحقت بدم بارد محدثة هذا الألم الكبير في نفوس أهالي املج الطيبين . ولأن للبحر شجناً في ذات العم سليم فلم يتوقف عن الحديث عند هذه اللمحة العابرة.. ها هو يشير بيدِهِ إلى البنقلة أو سوق السمك وقد بدا الحزن على ملامحه . إنه يشكو ندرة السمك وهذا بعد معاناة دامت على مدى أشهر من إقرار البيع بالحراج فقد ظل يباع بأسعار مرتفعة جدا وهذا بسبب الجشع الذي دب في نفوس تجار السمك الذين لم يراعوا أي معايير أو ظروف والمؤسف أنه حين اقر المجلس البلدي إيقاف الحراج واستعاض عنه بالوزن بالكيلو أصبح هؤلاء التجار يبيعون السمك خارج املج أو يبيعونه لأصحاب المطاعم ما أدى إلى ندرة وجوده في السوق وعلى الرغم من الحلول الكثيرة التي اقترحت إلا أن الحال لم يتغير والسوق ما زال خاليا من السمك والناس متذمرون وفي ظني أن أي حل من هذه الحلول الكثيرة لن يأتي بأية نتيجة إن لم يُفعّل دور الرقيب من قبل البلدية وقد لفتت الأنباء مؤخرا إلى أن المشكلة الآن على طاولة النقاش لدى المسئولين الإداريين في المنطقة وعليه نأمل أن يكون نقاشا فعالا وان يكون التنفيذ على ارض الواقع أكثر فاعلية لعل وعسى أن يعود السمك إلى بيوت أهالي أملج وتُحل هذه المشكلة العويصة ..شيء غريب فعلا املج التي اشتهرت بوفرة السمك والذي لم ينقطع عن بيوتها على مدى التاريخ لم يعد اليوم متوفرا في سوقها المحلي وبالكاد يحصل المواطن منه على قوت يومه بعد عناء ومشقة .. إلى ذلك الوقت كان وقت الغروب قد حان والعم سليم يهم بقفل دكانه لملمت ما تبقى من الورق , غادرت المكان محملا بالشجن وملوحا للبحر.
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *