بالحب.. لا بالعنف تبنى الحيــاة

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]حســــان أحمد العماري[/COLOR][/ALIGN]

لا يمكن أن تبنى حياة أو يؤسس مجتمع أو تزدهر حضارة إذا كان العنف هو السمة السائدة بين أفرادها والطريقة الوحيدة للتعامل وتقرير الحقوق والواجبات بين فئاتها والوسيلة الأولى في حل الخلافات بين مجتمعاتها.. والواقع يشهد بذلك والنصوص الشرعية تؤكد ذلك والمتابع لأوضاع الإنسان اليوم وحياة الدول والمجتمعات والشعوب يجد أن العنف أصبح كابوس يؤرق الجميع وفي شتى مجالات الحياة فهناك العنف الأسري والعنف الإجتماعي والعنف ضد الأولاد وضد المرأة وهناك العنف المدرسي والعنف الرياضي وهناك العنف السياسي وهناك العنف باسم الدين والتشدد في غير موضعه وسوء الفهم لمقاصد الشرع وغاياته الأمر الذي أدى إلى سفك الدماء وانتهاك الأعراض وترويع الآمنين وغير ذلك. فهل يعقل أن تكون هذه هي الحياة التي ينبغي أن تكون..كلا.
لقد جاء الإسلام لينشر الحب والتسامح والتراحم بين الناس كافة وعندما وجه باستخدام القوة والشدة جعل ذلك في أبواب ضيقة وجوانب محددة.. مثل مواجهة الأعداء المتربصين الحاقدين المعتدين وكذلك على من ثبت إجرامه وأنتشر فساده وتأثر المجتمع بسوء أعماله ولم يمتثل لأوامر الدين وقواعد الشرع ولم يترك الإسلام هذه الجوانب دون قيد أو ضابط حتى يقطع عن النفس البشرية أي طمع أو شهوة ويكون هذا العمل لحفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال وهي الضروريات التي جاءت الشريعة لحفظها قال تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)(190).. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِن اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُل شَيءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذبْحَة وَلْيُحِد أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ” (رواه مسلم).. وما سوى ذلك فإن الإسلام دعا إلى الحب والتراحم والتعاون بين الناس فكم هي البشريّة بحاجة إلى حبّ الإسلام،ذلك الحبّ المجرّد من الرِّبح والحساب المادِّي، الحبّ الرّوحي والعاطفي الصّادق لأهميته في بناء الحياة، وقيمته في سعادة الفرد والأسرة والمجتمع، واعتبر الإسلام الحبّ قيمة عُليا في رسالته، وهدفاً سامياً من أهدافه، يسعى بشتّى الوسائل لتحقيقه، وتكوينه في النفس البشرية، وإشاعته في المجتمع، بل جعله قيمة كبرى سعى لتحقيقها في الحـياة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحـابّوا، أوَلا أدلّكم على شيء إذا فعلتمـوه تحاببتم: أفشوا السّلام بينكم»….. ومن حبّ الله يبدأ الحبّ في الإسلام.. وضّح القرآن هذه الحقيقة الجوهريّة في عمق الإسلام، بقوله:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ الله)
وحبّ الله حصانة للنفس البشرية من النزوع إلى الجريمة والعدوان، وتطهير للنفس والوجدان من الحقد والكراهيّة للحقّ والخير والجمال.جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال إن الله تعالى، قال: (من عادى لي وليـًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطشُ بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته)
وبالحب بين أفراد المجتمع المسلم تكون النجاة يوم القيامة يوم الحسرة والندامة عن أبي مالك الأشعري قال: \” كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت عليه هذه الآية:\” يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم\” (المائدة 101) قال: فنحن نسأله إذ قال: إنّ لله عبادا ليسوا بأنبياء و لا شهداء، يغبطهم النبيون و الشهداء بقربهم و مقعدهم من الله يوم القيامة، قال: و في ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه و رمى بيديه، ثم قال: حدثنا يا رسول الله عنهم من هم ؟ قال: فرأيت في وجه النبي صلى الله عليه و سلم البِشر، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: \” هم عباد من عباد الله من بلدان شتى، و قبائل شتى من شعوب القبائل لم تكن بينهم أرحام يتواصلون بها، و لا دنيا يتباذلون بها، يتحابون بروح الله، يجعل الله وجوههم نورا و يجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الناس، و لا يفزعون، و يخاف الناس و لا يخافون \”
بل إن الإسلام جعل العلاقة بين الإنسان، وبين الحق والخير والإيمان قائمة على الحب قال تعالى: ?وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ?[ سورة الحجرات/7].. وقال: ?فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ?[ التوبة/108].. وعلى أساس الحبّ أسس الإسلام الأسرة، وجعل العلاقة بين الزّوجين، وبين الآباء والأبناء قائمة على الحب. قال تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنْفُسِكُم أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَة). (الرّوم / 21).. و فطر الله الوالدين على محبة الولد، وجعله ثمرة الفؤاد وقرة العين وبهجة الروح، بل إن المولى عز وجل مدح أولياءه في كتابه العزيز بأنهم يدعون الله ويتضرعون إليه أن يقرّ أعينهم بالولد الصالح (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا){الفرقان: 74).

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *