بالأمس قلناها واليوم نكررها
[COLOR=blue]سماك العبوشي[/COLOR]
بالأمس، وتحديدا قبل أكثر من ثلاث سنوات خلت، بل وحتى قبلها بسنوات أيضا، قلنا في المفاوضات الفلسطينية – الصهيونية ما لم يقله مالك في الخمر، ووصفنا تلك المفاوضات بأنها كثور يراد حلبه، وأنها كمن يحرث في البحر.
أجل، فيومها، بل وقبلها بسنوات أيضا، كنا قد حذرنا ونبهنا من عبثية تلك المفاوضات، وأنه – وفي ظل وهن وضعف عربي وتناحر وانقسام فلسطيني- فلا مناص للقيادة الفلسطينية من تغيير نظرتها للمفاوضات فلا تجعلها \”خياراً استراتيجيا\”، وأن تبحث لها عن بدائل تحمي حقوق أبناء شعب فلسطين وتحقق لهم شيئا من كرامتهم المهدورة، بعدها توقفت المفاوضات لثلاث سنوات متواصلة، فرفعنا أكفنا لله العزيز القدير شاكرين حامدين على نعمته تلك، وابتهلنا إليه سبحانه وتعالى أن يلهمنا جميعا – والقيادة الفلسطينية أولاً- طريقة ناجعة ننتصف بها من عدونا ونسترد بعض ما فقدنا، وذكّـرنا حينها بتلك النصيحة التي جرت على لسان حكيم حين سُئل ذات يوم عن كيفية انتصاف المرء من عدوه حيث أجاب الحكيم يومها بإصلاح النفس أولاً.
ذاك لعمري كان بالأمس، ومرت ثلاث سنوات، ونحن ننتظر ونترقب وقلوبنا على أفئدتنا، وجاء ربيع التغيير العربي الذي استبشرنا به خيرا، وأن أنظمة عربية فاسدة ستـُـقتلع من جذورها، وظننا أنه سينعكس إيجابيا على مشهدنا الفلسطيني، فخاب ظننا، حيث جرت الرياح بما تشتهيه سفن دول الغرب وكيانه الصهيوني المارق، وتلبدت أجواء المنطقة برمتها، فإذا بالمفاوضات الفلسطينية- الصهيونية تنطلق على حين غرة وجرت ست جولات وسط تعتيم إعلامي مطبق، ليخرج إلينا اليوم السيد ياسر عبد ربه – أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية – ليؤكد لنا مصداقية تحذيرنا وما ذهبنا إليه بالأمس، معلناً بأن المحادثات الفلسطينية \”الإسرائيلية\” التي استؤنفت بعد ثلاث سنوات من التوقف برعاية أمريكية \”عقيمة\”، وبأن إنقاذ هذه العملية السياسية لا يكون فقط من خلال تكثيف اللقاءات والاجتماعات وتقديم وعود بمزيد من اللقاءات الأمريكية مع الأطراف (وفق ما جاء بالخبر المنشور)، هذا ولم يقتصر الأمر عند تصريحات السيد ياسر عبد ربه، بل خرج إلينا الدكتور نبيل شعث – عضو اللجنة المركزية لحركة \”فتح\” – متهما حكومة تل أبيب بـ\”وضع العراقيل أمام المفاوضات لإفشالها وتحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية\”، و\”أن الاحتلال يريد مفاوضات شكلية يحقق من ورائها مكاسب سياسية في مقدمتها تخفيف العزلة الدولية، وأن الخيارات مفتوحة أمام القيادة الفلسطينية للرد على السياسات الإسرائيلية\”، محذرا في الوقت ذاته من \”خطورة الإجراءات الإسرائيلية المتسارعة في مدينة القدس والمسجد الأقصى الذي يتعرض لعملية تهويد ممنهجة تهدف إلى تقسيمه والسماح للمتطرفين اليهود بالصلاة فيه على غرار الحرم الإبراهمي في الخليل\”… كما جاء بالخبر المنشور أيضا. سبحان الله تعالى فيما نسمع ونقرأ…
أولاً.. أيعقل أن نكون أكثر وعيا وحذرا وإدراكاً من قيادة السلطة الفلسطينية وأكثر استقراءً للمشهد الفلسطيني المأزوم حين صرخنا ملْ أفواهنا حتى بُـحّت أصواتنا بأن المفاوضات مع مغتصب الأرض وسافك دمائنا ومنتهك كرامتنا إنما هي عقيمة وعبثية، فعادانا من عادانا ممن يؤمن بنهج التسوية، وشتمنا من شتمنا منهم واتهمنا بشتى الاتهامات التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا أدري حقاً كيف سيكون اليوم موقف وردة فعل من عادانا وناهضنا وناكفنا لموقفنا ذاك بالأمس إزاء ما صرّح به السيد \”ياسر عبد ربه\” – أحد كبار نهج التسوية – من عبثية وعقم تلك المفاوضات وما هي تبريراتهم!؟، وكيف ستكون ردة أفعال هؤلاء إزاء تحذير السيد نبيل شعث من مغبة خطط ومناورة حكومة تل أبيب في مدينة القدس والمسجد الأقصى تزامنا مع سير مفاوضات 2013 الجارية يا ترى؟.
ثانياً .. هل استجد اليوم جديد في موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه قضية فلسطين فرأته السلطة الوطنية الفلسطينية فاستجابت لدعوة جون كيري بانطلاق مفاوضات جديدة!؟، وهل أن ولاءات وقناعات وزير خارجيتها جون كيري قد تحررت من سطوة الأيباك واللوبي الصهيوني حتى تقرر السلطة الفلسطينية اقتناص الفرصة وإنهاء قرار قطيعة المفاوضات التي استمرت ثلاث سنوات متواصلة، فالمؤمن حذر ولا يلدغ من جحر مرتين، في وقت كنا قد حذرنا بالأمس من حقيقة مواقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه التسوية، وسخرنا طويلا لظهورها كنصيرة لحقوق العرب عامة والفلسطينيين خاصة حين تجشمت كوندوليزا رايس عناء ومخاطر السفر جواً قاطعة لآلاف الأميال ومحاولتها خداعنا أن تلبيتها تلك كانت من منطلق الضمير الأمريكي الإنساني الذي اهتز لصرخات أطفال فلسطين وتأوهات الثكالى وبكاء الأرامل وعويل الأيتام!؟.
ثالثاً.. أي منطق وحكمة تلك التي ظهر بها الرئيس الفلسطيني بقراره بدء المفاوضات في ظل ظروف إقليمية وعربية مضطربة غير مستقرة!؟، يضاف لها شرخ وتصدع كبير في المشهد السياسي الفلسطيني!؟، يقابله في الوقت ذاته رأي عام صهيوني موحد غير مجزأ وفكر أيديولوجي إستراتيجي ثابت (لم ولن) يتغير يتمثل باستيطان صهيوني مستمر على قدم وساق والذي يمثل بحد ذاته جوهر الصراع العربي الصهيوني!؟.
ليس العيب أن نحلم وأن نتمنى، فلطالما تمنيت من رب العزة والجلالة أن أكون مخطئاً في حدسي بعد كل عودة \”ميمونة\” لمفاوضنا الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات، وأن يخرج مفاوضنا من تلك الجلسات وقد حقق لشعبنا الصامد المحتسب المكبل بآفتي (الاحتلال الصهيوني والتواطؤ العربي المهين) بعضا من أحلامه وتطلعاته.
التصنيف: