[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] ليلى عناني[/COLOR][/ALIGN]

\”يا رب يخليكِ يا أمي…\” تناهى إلى مسامعه ذلك المقطع من الأغنية المشهورة هرول مسرعاً مبتعداً عن مصدر الصوت فهو لا يستطيع أن يتحمل سماع هذه الأغنية التي تُشعره بتأنيب ضميرٍ شديد.. بعد أن فات الأوان واتجه نحو الباب يريد الخروج ولكنه قبل أن يمد يده ليمسك بمقبض الباب فُتح فجأة واندفعت صغيرته وهي تضحك، رفعها إليه وضمها إلى صدره ودفن رأسه في حضنها الصغير وأجهش بالبكاء، توقفت الطفلة عن الضحك وحدقت النظر مستغرية، فقد كانت تجهل أن للآباء دموعا كالتي يذرفها الصغار، كانت تظن أن الدموع حق للصغار فقط، استغربت أن دموعه لم يصاحبها صوت كالذي تصدره حين تبكي بل أن جسد أبيها كله يهتز ويرتجف بقوة! بتلقائية وعفوية أخذت تربت على ظهر أبيها دون أن تتكلم فقد عجز لسانها عن النطق لكنها فعلت ما كان يفعله أبوها حين كان يريد أن يهدئها وما زادت تلك الحركة أباها إلا بكاءً!
استغربت ردة فعله وهمست له بحزن (بابا لا تبكي) وضمته في حضنها الصغير بكل قوتها وبدأت تبكي معه.. سمعت صوت أخبها يناديها كي يكملا اللعب سويا، تخلصت من قبضته وهرولت نحو مصدر اللعب وتركت والدها غارقاً في حزنه.
تبع الأب ابنته بنظره وهو يفكر أن فعلة ابنته هي ذاتها فعلته إلا أنه يستطيع أن يلتمس لها عذراً فهي صغيرة ولا تستطيع التفريق بين الصح والخطأ ولا تعرف الفرق بين الحلال والحرام وإنما تتصرف بطبيعة وتلقائية طفلة في سنها. أما هو فما عذره؟ بماذا يعلل إعراضه عن أمه؟ بماذا يفسر قسوته وجحوده معها؟ أكانت عصبية؟ كان واجبه تحملها أكانت مزعجة بطلباتها المستمرة له؟ كان يجب عليه مراعاة كبر سنها أكانت تحمله مالا يطيق؟ أكانت سليطة اللسان؟ أكانت..أكانت … أكانت؟؟؟؟ لا يبرر ذلك تصرفه ولا يجيزه!
كان يظنها باقية للأبد، لم يلاحظ الشيب الذي غزا شعرها والضعف الذي اعتراها، أصم آذانه عن ألمها وأنينها ورجائها المستمر له بأن يرحمها حاول إراحة ضميره بالبحث عن عيوبها ما وجد غير إحسانها له وحنانها الذي كان يتهمها زوراً و بهتاناً بعدم حصوله عليه منها..تذكر الأشياء الصغيرة التي كانت تقوم بها لأجله دون شكر منه ولا اعتراف وفي غفلة عنه رحلت… رحلت إلى دار الحق الذي لا عودة منه… رحلت وظنها لا ترحل… رحلت دون وداع، وداع ما كان يستحقه…
لو كان بكاؤه يعيدها لما جفت عيونه عن البكاء ولبكى حتى فاضت الأرض بدموعه لكن هيهات، ما نفع الندم بعد فوات الأوان؟ تمنى أن تعود عقارب الساعة كي يرتمي في حضنها و طلب منها السماح، تمنى أن يكون الأرض التي تطأها قدماها، تمنى أن يعود به الزمن فيقوم على خدمتها والسهر على راحتها وتلبية جميع رغباتها وأمنياتها….
أين هو من قول الله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) (الآية).

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *