اندثار الإعلام الورقي غصة يمكن تجاوزها

Avatar

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]محمد علاونة[/COLOR][/ALIGN]

«لا تنسى تجيب معك شوية جرايد علشان الأكل»، ذلك كان صوت زوجتي عبر الهاتف مرة كل أسبوع، تذكرني بين الفينة والأخرى بإحضار كمٍّ من الصحف الورقية لغاية فرشها بين المائدة وأطباق الطعام بدلا من استخدام غطاء بلاستيكي، كونها أصبحت عادة أولا، وتوفيرا للمال ثانيا. رغم أنني لا أعارض استخدام الصحف لأسباب صحية لرداءة الورق وانتقال الحبر إلى الأيدي، أو لأسباب دينية بسبب وجود آيات وما إلى ذلك، إلا أن غصة تقف في حلقي عند الاستجابة للطلب، ويقتحم مخيلتي فيلم «back to the future» بأجزائه الأربعة، وكيف سيكون حال الصحف الورقية بعد قرن من الزمان. منذ سنوات قليلة وحتى هذه الأيام نسمع عن تراجع في مبيعات الصحف وإعلاناتها وتجاوز النفقات الإيرادات ما استدعى توقيف الامتيازات وتأخر الرواتب وأحيانا تسريح الموظفين.
ولكيلا يهضم حق طرف على حساب آخر من الضرورة بمكان الوقوف عند الأسباب والتدقيق في العلة؛ علنا نجد العلاج ونتجاوز الأمر، إذ لا يمكن لوم إعلاميين في مطالبتهم لحقوق مكتسبة، في المقابل يجب مراعاة ظروف المؤسسات التي لا تجد مالا لتدفعه وتعاني أزمة.
بعض الصحف الكبرى في العالم وتحديدا في الولايات المتحدة الامريكية احتجبت وأخرى قلصت صفحاتها، وبعضها تحول لنسخة الكترونية في ظل هذه الثورة التكنولوجيا التي تجتاح العالم والمنطقة، آخرها وليس أخيرا صحيفة النيوزويك التي تحولت لرقمية بعد نشرها وطبعها على الورق طوال ال 80 عاماً الماضية.
هنالك من يعتقد أن الصحف المطبوعة ستختفي بحلول العام 2050، بينما تنخفض المدة لبعضهم إلى 2020، أما من يستعجل بتوقعاته فإنه يجزم أن معظم الصحف ستحتجب خلال 5 سنوات، وبحسب المنطقة والإقليم.
في قناعتي التامة أن الفاصل الزمني بين بلداننا وتلك الدول المتقدمة 20 عاما، لكن لا يمكن تجاهل القفزة غير المسبوقة في صناعة الاتصالات والإعلام الإلكتروني في بلادنا والشرق الأوسط بشكل عام خلال فترة قصيرة؛ لذلك يمكن تقليل تلك الفترة لعشرة سنوات، بالطبع بما يتعلق بالإعلام.
من هنا لا بد أن نقرأ أسباب تراجع الصحافة الورقية بعد استثناء أهم سبب وهو الحرية الإعلامية التي تغيب دوما بشكل مباشر من خلال القوانين أو غير مباشر من خلال الاحتواء بأنواعه كافة.
إن كان عامل الحرية مهما إلا أن هنالك عوامل أخرى يمكن تداركها، فعلى سبيل المثال لا يمكن تجاوز مسألة إعادة الهيكلة للصحف الورقية، فمعظمها يتعامل وكأن العجلة الاقتصادية تدور على ما يرام، ولا أقصد هنا عمليات تسريح بل بالإمكان إعادة توظيف المهمات والمراتب لتتماشى مع الوضع الحالي، مع الجزم أن هنالك اختلالات إدارية وفنية في غالبية الصحف.
الأهم في هذه المرحلة تقييم أداء الصحف، فلا يلاحظ وجود محاولات جادة لتطوير المضمون، والتحول من بث الخبر القصير العاجل إلى زيادة الكم من التحليلات والتحقيقات والدراسات، وحتى الترجمات.
وبما يتعلق بالعاملين، هنالك ضرورة للاندماج في العالم الرقمي، فلا يعقل أن كتّابا مخضرمين أو إعلاميين معروفين لا يعرفون التعامل مع الواجهة الالكترونية، ويكتفون بالاطلاع والقراءة دون محاولة الولوج إلى هذا العالم الواسع والتفاعل معه للمساهمة في إبراز الصحيفة ومساندتها على البقاء من خلال حالة اندماج غير مرئية بين الشقين الورقي والإلكتروني، وهذا يستدعي مزيدا من التدريب والدورات للصحافيين الجدد والقدماء.
الفرصة ما زالت متاحة للإعلام الورقي أن يرتقي بأدائه، على الأقل ليستمر فترة زمنية يستطيع من خلالها أي إعلامي الانتقال إلى العالم الآخر بكل سهولة ويسر، ويكون حاملا لكل الأدوات اللازمة وسيجد نفسه في النهاية كما هو، لكن الأدوات تغيرت والأساليب تنوعت، وسيبقى الإعلام إعلاما، لكن ليس على ورق.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *