محمد طالع

الإنسان دائماً بحاجة إلى إشباع غريزة الانتماء, فهو يشعر بالمأمن والملاذ من خلال انتمائه إلى ما يظن أنه يلبي حاجاته, ومن خلال هذه الانتماءات التي تجعل من الناس كُتلاً متباينة الأفكار والرؤى.
من خلال الاطروحات التي يقدمها الجميع, ينشأ ما يسمى بالحراك والتفاعل ما بين شرائح متعددة من الناس, هذا الحراك بالضرورة يولّد شداً وجذباً بين منتمي ومنتسبي هذه الشرائح, والمشكل هنا أن الكثير من هؤلاء المنتمين يظن أن الآخر يبحث دائماً عن تهميشه وتسفيه رؤاه وأفكاره, من هنا تولد الحروب والمعارك الثقافية على اتساع رقاعها بين البشرية, فمن خلال هذه المعارك يتجه الكثير إلى حشد كل أدواته للرد على الآخر وسوق كل ما يمكن من أجل التدليل والبرهنة على منطقية وحجيّة ما يتزعمه من أفكار, وفي المقابل يتناولها الآخر على أنه المراد بها, ومن هنا ينشأ ما يسمى شخصنة القضايا والحوارات, فيما لو آمن كل طرفٍ بأحقية الآخر في التعبير عن رأيه والمناداة بأفكاره وفق القانون والذي يجب أن يكون عادلاً بين الجميع, وأن يحرص على تطبيقه كقانون فقط, ولا يجعل مجالاً لعواطفه في التحكم بحياديته والانتصار لأيّ من الجهات على البقية, كما أنه لو آمن الجميع أو على الأقل الأكثرية بأن الحرية مكفولة للجميع ضمن الضوابط وثوابت العقيدة الدينية حينها يمكن أن تنتهي كثير من معارك طاحنة لا توجد إلا في خيال من يقتحم غمارها, تبعاً لذلك يمكن القضاء على المتعصبين والإقصائيين أو تقليلهم إلى أعدادٍ قليلة غير مؤثرة.
وحتى يتم الوصول إلى مستوى عالٍ من قبول الآخر واحترامه كإنسان له الحرية في تحديد خياراته, فإن علينا أن نوجد أرضاً صالحة للحراك البشري, ولن يتأتى ذلك إلا بخلق تربية جديدة وثقافةٍ جديدة من شأنها أن تستوعب الكل.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *