امنحوا الفرصة للمبدعين في التعليم
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]شهوان بن عبد الرحمن الزهراني[/COLOR][/ALIGN]
الإبداع في العمل والتطلع إلى الابتكار والتجديد ، وفوق ذلك وقبله حب العمل والإخلاص فيه والولاء للجهة التي يعمل بها المرء من شأن ذلك كله أن يثمر عن نتائج هامة ومخرجات للعمل تكون على مستوى عالٍ من الجودة في الصنعة والإتقان، وهذا ثابت
من التجارب الحياتية والمعيشية، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة . فليس هناك حافز أعظم من حافز الحب والرغبة في العمل، مهما كانت الدوافع الأخرى، فالحب يصنع المعجزات، لأن الحب لشيء معين لا يكون إلا بعد الإيمان الراسخ في قلب وفكر الإنسان بأنه يجد نفسه في هذا العمل، وأنه يحقق ذاته ويحوز على مبتغاه . ولأنه يجد في هذا العمل الراحة والإمتاع فإن نتيجة ذلك بإذن الله سيكون الإبداع .
ولعل ميدان التعليم أكثر الميادين التي تبرز فيها موهبة المبدع سواء من خلال ما تفرزه خبرته والتصاقه بهذا العمل أو من خلال وجود الإبداع في ذات الإنسان وفطرته لكونه يحاول دائماً أن يحول كل فكرة خلاّقة تلامس فكره إلى واقع ملموس، وبما أن ميدان
التعليم بكل مراحله وبخاصة المراحل الأولى منه التي ينشأ فيها النواة الأولى لكل جيل فإن تأثير المبدعين عليهم سيكون له أثر كبير .
إن إعطاء الحرية وفسح المجال أمام المبدعين بصفة عامة والمعلمين بصفة خاصة يوفر على جهات العمل كثيراً من الجهد والعناء والبحث في اختيار طرق جديدة للوصول إلى الإبداع، كما يوفر المال والوقت بل أنه فوق ذلك كله يكون أقرب إلى إمكانية التوصل
للنتائج المطلوبة لأنه يكون من خلال تجارب من داخل بيئة العمل، ومن الواقع المعاش، مع معرفة سابقة بالمعوقات مما يسهل على المرء تجنبها، وكذلك معرفة الأساليب التي بها يمكن أداء العمل ومن ثمّ فيكون العمل قد قام على أسس أخذت في الاعتبار كل الجوانب التي تعيق النجاح فلا حاجة لمزيد من التجارب أو التوجس للفشل . بل يكون العمل مرتكزاً على عوامل معروفة وعناصر واضحة من خلال تجارب وممارسة سابقة .
وفي مجال التدريس نجد هناك بعض التجارب التي يراد نقلها من الشرق أو الغرب، وهي تجارب تحتمل في طياتها النجاح بدرجة أقل من احتمالها الفشل الذي يكون احتمال وقوعه بدرجة أكبر، لأنه يأتي من بيئات وتجارب مختلفة، ومن أشد البلايا على الأجيال
أن يتم تعريض التعليم لتجارب تحتمل الفشل حتى ولو بنسبة قليلة، لأن صناعة الفكر الإنساني وتشكيله ليست كصناعة الحديد والخشب وإنشاء القصور والفلل والمولات والتي يمكن أن تكون بمستوى واحد في بيئات مختلفة، ومخرجات التعليم الآن تنبئ عن ذلك .
إن التعليم لا شك أنه بحاجة إلى التطوير دائماً وهذا يقود حتماً إلى ضرورة البحث عن طرق جديدة للأخذ بها في التطوير، لكن هذا التطوير قد لا يكون بعيد المنال ولا صعب التحقيق، بحسبان أنه موجود في فكر رجال التربية والتعليم – الذين قضوا جلَّ أعمارهم في مجال التدريس والتعليم – فمنهم الكثير الذي يستطيع أن يساهم بكل قوة في مجال التطوير من خلال تجاربه الشخصية وبعد معرفة نجاحها على أرض الواقع . فيمكن من خلال نجاح هذه التجربة الثرية أن يتم تعميمها على المراحل المماثلة التي استهدفتها تلك التجربة ، وضمان نجاح هذه التجربة سيكون كبيراً – بإذن الله تعالى – لأنها وليدة البيئة وثمرة من ثمارها، وهي تكون لذات العاملين في مجال التعليم ولذات الطلاب وفي ذات المجتمع، أما ما يأتي من الخارج فإنه يكون في بيئة مختلفة وعلى طلاب مختلفين وفي تقاليد اجتماعية مختلفة فنجاحها قد يكون ضئيلاً والمردود قد يكون عكسياً .
إن هؤلاء الناجحين المبدعين الذين عملوا في مجال التدريس ويملكون خبرات كبيرة بغض النظر عن الشهادات التي يحملونها هم ثروة يجب الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم . وبالتالي فإن عدم تقييدهم بطريقة محددة في أداء عملهم أمر يكون له إيجابيات
عديدة ومردود كبير على العمل وتطويره وتجديد الأساليب في طرح الأفكار وإيصال المعلومة بطريقة مشوقة ومحبوبة للنفوس . ومع أهمية ذلك في نجاح العمل والارتقاء به إلا أن تلك الأهمية والمطالبة بإعطاء الحرية، ليست على إطلاقها لكل من ينخرط في
هذا المجال بل هي لا تتعدى المؤهلين والأكفاء من الرجال المخلصين الذين يجعلون التحصيل العلمي للطلاب نصب أعينهم ويهتمون بذلك أكثر من اهتمامهم بقبض رواتبهم، أو تنميق كراسات التحضير ودفاتر الواجبات والتي أصبحت لدى كثير من المسؤولين في
التعليم هي الغاية من عمل المعلم . إن هؤلاء المعلمين يعشقون النجاح ويحبون أن يروا ثمرة نجاحهم في الجيل الجديد، ولكن تواجههم التعليمات والتعاميم والطرق الحديثة التي جاءت من هنا وهناك ومن بيئات مختلفة اقترحها وأعدها مسؤولون يعملون في
مكاتب مكيفة تتزين جنباتها بالورود والشهادات العليا التي تم الحصول عليها . ولم يعرفوا ما يدور على ارض الواقع .
يقول الشاعر :
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
فكان الأحرى أن يكون للمعلم دور في وضع الطرق والأساليب للتدريس واختيار المناهج . لأن أمثال هؤلاء تجد تأثيرهم ومآثرهم تبقى ما بقي الأثر لجهودهم فهؤلاء مصابيح الظلام ومشاعل الدروب والتأثير على الآخرين فكرياً لا تمحوه الأيام بسهولة فهم سيشاركون بآراء ومقترحات نابعة من الواقع المعاش وليس مجرد نقل تجربة الآخرين من بيئات مختلفة ثم يتم إخضاع الجيل لتلك التجربة التي قد تفشل ويتضرر منها جيل بكامله .
وفي إطار العمل الحكومي هناك مجالات وظيفية تسير وفق خط سير لا تحيد عنه، وقد يكون هناك من الموظفين ممن يملك قدرة فائقة للتجديد والإبداع وتغيير الأساليب والارتقاء بالعمل نحو الأفضل، ولكنه محكوم بإطار لا يستطيع الإنعتاق والتخلص منه، لأنه مجرد موظف صغير يقبع في ذيل السلم الوظيفي . وإذا أردنا أن نؤسس رؤية معينة حيال تحديد مثل هذه المجالات الوظيفية الهامة، فلا شك أن أولى تلك المجالات يأتي المعلمون على مختلف مستوياتهم . فهي وظيفة مؤثرة في الأجيال من خلالها تصنع الرجال، مما يستدعي أن يكون مجال التدريس في مقدمة تلك المجالات التي نوليها الاهتمام في إتاحة الفرصة وإعطاء الحرية للمبدعين دون تقييدهم في إطار واحد مع الذين لا يملكون القدرة على الإبداع والتجديد . إذ أن مجال التدريس يستهدف جلب النافع ودفع الضار وله تأثير على الأجيال وأهمية على صنع المستقبل لا يعادله مجال وظيفي في هذا الإطار .
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .
[ALIGN=LEFT]ص ٠ ب ٩٢٩٩جدة – ٢١٤١٣ فاكس : ٦٥٣٧٨٧٢
Sfa_ 10 @hotmail . com[/ALIGN]
التصنيف: