نبيه بن مراد العطرجي

لَعلك تعْجب مِن عِنوان المقَال ، فَمن مِنا يرغَب أنْ يمتلِك الصِفر الذِي يُعد أوَل الأعْداد وَأكثرهَا تبسِيطا وَأشدهَا شُهرة وَدهشَة وَاستعمَالاً وَأهَمية ، فَهو نُقطة البِداية الطبِيعية ، التِي مِنه يَبتدئ كُل شَيء ، وَإليه يَنتهِي كُل شَيء ، وَيستحِيل عَلى الأعدَاد الاستِمرار بِدونه ، كمَا أَنه صَاحب خَاصية اسْتثنائية لا يَتمتَع بِها أيْ عَدد آخرْ ، وَالسر الذِي تَرتكز عَليه كُل الأعْداد ، وَله وظِيفتَان عَظيمتَان لا يُمكِن لأي عَدد القِيام بهمَا ، وَهما : الدَلالة عَلى مَعنى : لا شَيء ، وَملء المنْزلة الخَالية لحِفظ ترتِيب المنَازل ، فَالصِفر العَدد الذِي يرمُز إلَى الاستِمرارية ، وَالعَدد الزَوجي الوحِيد الذِي لا تسْعى الأنْفس لِلظفر بِه فِي أَي مجَال مِن مجَالات الحيَاة المتعَددة مَا لمْ يَقترن بعَدد ، وَهذا هُو طَبع البَشر حُب التَملك للقِيم العَالية ، وَمع مُرور الزَمن تَقترن هَذه المحَبة مَع الرَغبة فِي تَنمية مَا يمْلكه لِيتضاعَف ، فَمن لَدية ( 1000 ) يَرغب فِي تَنميتهَا بَأن يجعلهَا ( 10000 ) وَالفرق بَين العَددين ( صِفر ) مِن هُنا نَرى أَن لِلصفِر أهمِية عَاليه ، وَهذا مِثال بَسيط مِن الأمُور الدنْيوية التِي تَدل عَلى حُب تنمِيته الممتَلكات أياً كَان نَوعها ، أَما الوصُول الصَادق إلَى قِيمة الصِفر الحقِيقي وَالاحتفَاظ بِه كرصِيد ثابِت غَاب عَن أكثَرية العِباد فِي زَمن انشَغلت فِيه النفُوس بمطَالب الحيَاة الدنيَوية الزائِلة ، وَتناست المطَالب الأسَاسية التِي تزِيد الحسنَات وتُمحي السيئَات حَيث إنْ الأصِل فِي النفْس الطَاعة ، فَإذا فَارقت الرُوح الجسَد ، وَانقطعَت السُبل ، وَجاء يَوم الحِساب حَيث تُعرض الحسنَات وَالسيئَات حِينها سَوف نَعرف قِيمة الصِفر الذِي نَهرب مِنه فِي حيَاة العَيش فِيها وَجيز ، فَمن مِنا فِي ذَلك اليَوم لا يَتمنى أنْ تكُون سيئَاته صِفراً.
فَالصفر فِي ذَلك اليَوم العَظيم لَه أهمِية أكْبر مِن أهميَته فِي حيَاتنَا الدنْيا ، فَالحسَنة ( 1 ) بِعشر أمثَالها ( 10 ) قَال عَليه الصَلاة وَالسَلام فِي الحَديث القُدسي : ( إِن الله كَتب الحسنَات وَالسيئَات ، ثُم بَين ذَلك ، فَمن هَم بِحسنة فلمْ يعمَلها كتبهَا الله لَه عِنده حَسنة كَاملة ، فِإن هُو هَم بِها فعمِلها ، كتبهَا الله لَه عِنده عَشر حسنَات إلَى سبْعمائة ضِعف إلَى أضعَاف كثِيرة ، وَمن هَم بِسيئة فَلم يعملهَا كتبهَا الله عِنده حَسنة كامِلة ، فَإن هُو هَم بهَا فعمِلها ، كتبهَا الله سَيئة وَاحدة ) فَهل فَكر أحدْ مِنا الحصُول عَلى الصِفر وَالمحافَظة عَليه ، أمْ أننَا نَحب أنْ نَردِفه لِرقم لِيصبِح رَصيداً زَائلاً يُترك فِي دُنيا الزَوال .
دُعَاءْ : اللهُم ثقّل بالحسَانات مِيزان حسنَاتي ، وَأغفِر لِي خَطيئَتي يَوم الدِين .
هَمْسَة : العَيش فِي الدنيَا جِهاد دَائم .
وَمَنْ أَصْدَقْ مِنْ الله قِيلاً {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *