الواسطة حين نمارسها ونبحث عن مرتكبيها

نيفين عباس
هى الشريك الأساسى للفساد والمفتاح السحرى لفتح الأبواب لمن لا يستحق الفرصة فى وقت يبحث به من يستحق عن فرصة، الواسطة هى مرض كل العصور دون إستثناء والظاهرة التى لا يمكن الخلاص منها أو علاجها أو حتى قهرها، تحولت الواسطة لأسلوب حياة فكم موظف فاشل أخذ مقعده فى التوظيف دون أن يكون له الحق فيه ولا يوجد لديه أى مقومات أو مؤهلات تؤهله لنيل تلك الوظيفة لكن بسبب تدخل الواسطة منحت له الوظيفة على طبق من ذهب دون تكبد أى عناء

ما أضاع حق الموهوب والأجدر بالوظيفة والأكفأ منه علماً وخبرة فقط لأنه لا يملك أحد أرقام هواتف السادة الوزراء أو ليس على علاقة وطيدة بأحد المديرين المهمين فتغلق على الفور جميع الأبواب بوجهه ويضطر بالنهاية إما بقبول وظيفة لا تتماشى مع إختصاصه وخبراته أو التخلى عن أحلامه والخروج إلى بلاد بعيدة ليحصل على حقه فى الوظيفة والمعامله اللائقة بإنسانيته والتى تحفظ له حقوقه وكرامته أو حجز مقعده على أحد المقاهى لينضم منها إلى صفوف العاطلين، بينما تفتح الأبواب لصاحب الحظ والنصيب الأكبر من الواسطة ليحصل على أفضل وظيفة ممكنة بحسب حجم الإسم الذى يتوسط له، من المضحكات المبكيات أن من يمارس الواسطة بجدارة هو نفسه من يتحدث عن وجوب محاربتها والبحث عن من مرتكبيها لمعاقبتهم لأنه يضيع الفرص على الأخرين ويظلم دون وجه حق

أشكال الواسطة لا تقتصر على الوظائف فحسب فكم فنان فاشل وغير موهوب دخل لعالم الفن من أوسع أبوابه فقط لأنه على علاقة جيدة مع بعض المخرجين أو المنتجين، الأمر نفسه على المطربين، والكليات العسكرية، والمناقصات الهامة، وحتى الحصول على العلاج، وصولاً لعلاقاتنا الشخصية ببعضنا البعض فأحياناً كثيرة نشاهد تفضيل صديق على أخر فقط لأنه مقرب لأشخاص مهمين، وحتى الزواج ضربت الواسطة به عرض الحائط، فكم زيجة تمت بسبب تزكية فتاة على أخرى فقط لأنها على علاقة جيدة بأحد المقربين أو أحد أفراد الأسرة أو أقارب العريس

كل من يمارس الواسطة لا يعذر أو يعتذر فهو لا يعامل الأخرين بالشكل الذى يستحقونه ولا مانع لديه من سلب الأخرين حقوقهم دون وجه حق وبسببه يقع على الكثيرين ظلم لا نهاية له طالما مسلسل “الكوسا” مستمر

وبالحديث عن الكوسا ولمن لا يعرف قصة الكوسا فهى قصة مصرية طريفة لأحد تجار الخضروات، حيث كان التجار والمزارعون يخرجون مبكراً للأسواق حتى يقوموا بحجز مكان لبيع بضاعتهم وكانوا ينتظرون داخل طابور شاق وطويل حتى يتم تحصيل الرسوم والسماح لهم بالدخول وكان ذلك يتم تحت أشعة الشمس الحارقة التى لا ترحم ولا يتم إستثناء أحد من الطابور سوىّ تجار الكوسا لأن الكوسا سريعاً ما تفسد لأنها لا تتحمل حرارة الشمس ما جعل إستثناء تجار الكوسا يسمح لهم بالدخول لأى مكان بالصف دون إنتظار، ليبدأ التجار الأخرين فى الإحتجاج ورفع أيديهم هاتفين “كوسا .. كوسا “

من تلك القصة الطريفة نستطيع أن نخرج جرعة مسكنة لكل من ظلم وسلب حقوقه فى نيل الوظائف بسبب الكوسا، فمن يلاحظ بين سطور القصة يجد أن الكوسا بالرغم من إستثناء أصحابها من الإنتظار إلا أنها سريعاً ما تفسد، وهو ما يفسر الفساد الضارب لكل المؤسسات والمنظومات التى بنيت على الكوسا، أيضاً كل من أتى بواسطة لأنه سريعاً ما سيفشل لأن حقه فى الحصول على هذا الكرسى ما هو بالأساس إلا كوسا !

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *