الهزيمة النفسية للمجتمعات الاستهلاكية
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]مصطفى شفيق علام[/COLOR][/ALIGN]
تصف العولمة المالية ما يطلق عليه السوق الآنية العالمية للنتاجات المالية المتعامل بها في كبريات المدن المالية –الغربية بالأساس- على مدار اليوم، ومن ثم تصبح النتاجات المتعامل بها في غيرها مدن العالم مجرد تابع يدور في فلك أسواق المال الكبرى صعودًا وهبوطًا، ولعل خير مثال على تلك التبعية المالية ما آلت إليه الأوضاع في أسواق العالم من انحطاط في ظل الأزمة التي ضربت أسواق المال الأمريكية منذ منتصف العام 2008 ولا زالت آثارها مستمرة حتى اللحظة الراهنة دون أن يبدو في الأفق نهاية واضحة لها.
أما العولمة التكنولوجية، فإنها تصف المجموعة المترابطة من تكنولوجيا الكمبيوتر والاتصالات وعمليات ربطها بالأقمار الصناعية والتي نجم عنها ظاهرة انضغاط الزمان والمكان والانتقال الفوري للمعلومات عبر العالم. وإذا كانت الفجوة الرقمية بين العالمين الغربي والإسلامي لا تخفى فإن الادعاء بأن هذا البعد التكنولوجي للعولمة يصب بالأساس في مصلحة الطرف الأول لا يكون إجحافًا بقدر ما هو توصيف للواقع، لا سيما إذا كان العالم الإسلامي يكتفي بدور المستهلك للتكنولوجيا أو المجمّع لمفرداتها على أفضل تقدير.
وبالنظر إلى العولمة الاقتصادية فإنها تصف نظم الإنتاج الجديدة التي توصف بالمتكاملة، وتشير إلى تمكين الشركات الكونية المتعدية الجنسية الغربية بالأساس من استغلال عناصر الإنتاج عبر العالم على اتساعه . إذن فإن البعد الاقتصادي للعولمة إنما يعني بالأساس استثمار شعوب العالم وتحويل كل قدراتها إلى مؤسسات هائلة تملكها مؤسسات غربية محدودة العدد، تسيطر ليس على كوكب الأرض فحسب بل على فضاءه الخارجي كذلك.وتأتي العولمة البيئية، لتسعى من خلالها القوى الغربية إلى محاولة غسل يديها مما تقترفه بحق كوكب الأرض من تلويث وإفساد كنتاج لنهضتها التكنولوجية والتقنية دون أدنى مسؤولية عن مخاطر تلك التقنيات وآثارها البيئية المدمرة، بل يصور الغرب لنا أن الحفاظ على البيئة مسؤولية مشتركة بين الجميع، الشمال والجنوب، الغني والفقير، المتقدم والنامي أو المتخلف، وكأن المقصود من ذلك بمنتهى التبجح أن يجني الغرب الربح والفائدة منفردًا، ويتشارك التكلفة مع الآخرين أو يلقي بجلها عليهم إن استطاع، بدعوى وحدة الإنسانية والمصير المشترك!
وتظل العولمة السوسيولوجية، هي الخيال الرومانسي الجامح الذي تسعى القوى الغربية للترويج له عبر مقولات من قبيل \”المجتمع العالمي\” و\”الكل الاجتماعي المترابط\” وهي المقولات التي تعني ذوبان وتماهي الكل الإنساني في الجزء الغربي \”المتحضر\” و\”الرسالي\” الذي يقدم النموذج المثالي لما يجب أن يكون عليه البشر جميعًا حتى يلحقوا بركب الحضارة والتقدم الذي يزعم الغرب احتكاره بالأساس.
ولعل العولمة الثقافية أو البعد الثقافي للعولمة خير مكمل للشعارات السوسيولوجية الزائفة والبراقة التي تروج لها القوى الغربية، حيث تسعى تلك القوى إلى إلى ما يمكن وصفه بـ \”تغريب الثقافة\”وقولبة نمط الحياة الاجتماعية للدول والشعوب بكل ما تحتويه هذه العملية من طمس للشخصية الوطنية وتساهل أمام الوافد الغربي من السلع الاستهلاكية والكمالية وصولاً إلى الأفكار والمفاهيم. ويؤكد هذا المعنى ناعوم تشومسكي بقوله \”إن العولـمة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية في التاريخ البشري، تعزز سيطرة المركز الأمريكي على الأطراف، أي على العالم كله\”.
ولا شك أن الثقافة الاستهلاكية التي تروج لها واشنطن عالميًا تعد أحد مفردات الهيمنة الأمريكية والتي تعبر عنها بشكل رمزي مصطلحات من قبيل \”الكوكلة\” Cocacolization وغني عن البيان أن الهزيمة النفسية أمام المنتوجات والأفكار الغـربية هي أول أهداف الغـزو الثقافي المسمى بالعولمة الثقافية الذى تـتعرض له الكثير من شعـوب ومجتمعات العالم
التصنيف: