النص.. والهاجس الإبداعي عند المؤلف
اعتبر أنه منذ فجر الكتابة، والإنسان في مسيرة متواصلة للشرح والابتكار والتنويع والزج بمصطلحات وسحب أخرى وابتكار وسائل جديدة والتجديف ضد طرق قديمة، وكل تيار يحاول أن يقدم المتميز والأكثر حضوراً وتقبلاً، ولعل هذه الصفة تجد همها الكبير ماثلاً لدى مؤلفي الإبداع الأدبي، المشغولين دوماً بالتفكير كيف نذهل القارئ ونقدم نصاً مغايراً متميزاً مبدعاً متفوقاً.
لذا أستحضر ما يتم تسميته – النص المفتوح والنص المغلق – حيث يمكننا جميعاً ملاحظته بسهولة كبيرة من خلال النص نفسه، فإذا وجدته يأتي من مؤلف معروف ويتوجه نحو قارئ معروف، لكنه لا يحمل معنى واحداً أو أنه يتعرض لجملة من التفسيرات المتعددة، هنا نكون أمام ما يسمى بالنص المفتوح..
أما عكس هذا المصطلح وهو النص المغلق، فيتم تعريفه من الدارسين بأنه نص قد يكون ضبابياً، وقد يكون رمزياً، لكنه وعلى الرغم من هذا فإنه لا يحمل إلا رؤية واحدة، بمعنى أن الجميع يتفقون علي معناه و محتواه دون صعوبات، لعل المثال يوضح هذا الجانب، فعندما تقرأ نصاً علمياً أو قانونياً أو دراسة جغرافية أو تاريخية، فأنت تقراً شيئاً محدداً، وإن اختلف الأسلوب وقوة الكلمات ونحوها، فالمعنى واحد والنتيجة واحدة، وفي مجال الأدب قد تلاحظ النص المغلق في الروايات أو القصص القصيرة التي تحمل طابعاً بوليسياً أو جاسوسياً أو علمياً.
البعض من النقاد ينظرون للنص المفتوح والمغلق في مجال الإبداع الأدبي نظرة مغايرة وبعيدة عن تفاصيله الواسعة، والتي التصقت به منذ أن نبع وتمت ولادته في أوروبا وحتى تم نقله إلينا بواسطة التيار الحداثي التجديدي.. أٌقول إن البعض من النقاد يحيطون هذا المفهوم- النص المفتوح والمغلق- بسياج ويؤطرونه في النص نفسه، في النص نفسه، بمعنى عندما تقرأ رواية أو قصة قصيرة، وتجد أن النهاية تقبل من القارئ التفسيرات المتعددة أو أنها نهاية تشبه التوقف عن إكمال النص دون خاتمة على حدث محدد، هؤلاء يسمون مثل هذا النوع بأنه نص مفتوح، لأنه سمح لذهن القارئ بأن يضع الخاتمة ويكمل العمل، فلم يغلق المؤلف النص ويختمه “بالضبة والمفتاح” كما يقال، بل جعل للقارئ حرية التفكير والاستنتاج والتي قد تكون سعيدة أو حزينة أو نحوها.. وكما يقال بالأضداد تعرف الأشياء، فإننا من خلال معرفة النص المفتوح نكون قد عرفنا النص المغلق، وهو ببساطة متناهية أن يقوم المؤلف بوضع نهاية محددة لروايته أو قصته، مثل موت البطل أو انتصار الخير أو نحوها من النهايات الدقيقة الواضحة المحددة.
هذه رؤية البعض ممن درس هذا المصطلح، وهناك بطبيعة الحال الكثير من الدارسين ممن طرح هذا المصطلح بتوسع بل لما هو أكبر من هذا الإطار المحدد.
وأسوق مثالاً بمدرسة تتبنى رأياً مغاير تماماً، حيث يرون أن النص المفتوح هو النص الذي لا يمكن لك أن تعرف جنسه الأدبي، بمعنى لا تعرف ما الذي بين يديك هل هو قصة أم شعر أم مقالة؟ ويسمون هذا النوع بالنص المفتوح. وهناك بطبيعة الحال آراء أخرى. إذاً نحن أمام تعددية في الرأي حول مفهوم ووظيفة هذا المصطلح، فكيف من خلال مثل هذه الحيرة نستنج الأثر والفائدة؟
أحسب أن المؤلف، ليس مشغولاً بمثل هذه المصطلحات، فمن غير المهم أن يقال إنه يكتب نصاً مغلقاً أو مفتوحاً، ومن غير المهم أن يصنف منجزه الإبداعي، لأن القارئ الذي يراهن عليه ويحاول بشتى الطرق كسبه وأن يقرأ له.. أقول إن هذا القارئ غير معني بمثل هذه التفاصيل والجوانب، المهم لديه نص جميل مؤثر يرافقه ويشعر به، وإن اعتبر النقاد أن البعض من الأساليب الكتابية قد تساعد المؤلف على النجاح، مثل كتابة نص مفتوح ومنح القارئ فرصة التحليق والتفسير والشعور بأنه جزء من المنجز الإبداعي، وتشكيل نهايته وفق رغبته.
التصنيف: