[COLOR=blue]د. منصور الحسيني[/COLOR]

الندية لا تعني دائماً التساوي في كل شيء فقد يكون أحدنا ضخم الجسم والآخر ضعيف البنية ويكون نداً له أو قد يتفوق عليه فكرياً وليس عضلياً، هذه الحقيقة تنطبق على مختلف التعاملات البشرية وبالتالي فهي تنطبق على مختلف التنظيمات سواء كانت تجارية أو حكومية ولهذا ينتفي مفهوم البعبع على وجه الأرض إذا ما أستخدم المخلوق المكرم والذي من آجله خلقت الأرض ومن عليها عقله، لأنه أصبح من الموكد أن استخدامه بجدية يحقق الندية.
كان الناس في الماضي البعيد قبل أن تأتيهم الرسالات السماوية يتعاملون فيما بينهم بمنطق الغابة بحيث يرعب قوي البدن الضعيف ويسلبه حقوقه وقد يقتله، بعد زمن الرسل تحول الناس إلى تكتلات ليست فردية ولكنها جماعية في تنظيم دول واستمرت في التعامل بنفس منطق الغابة مع ضعاف الدول لأن الحكومات هي من البشر، وعندما لا يُستخدم العقل بفاعلية يتقلص الفارق بين الإنسان والحيوان.
في الزمن الحالي أصبح من الصعب أن يُطبق نظام الغابة الدولي بنفس الطريقة القديمة والتي تتمثل في العدوان العسكري لأن البشرية تطورت وأصبحت تناهض البربرية، ولكن الشر هو من البشر الذين طوروا نظام الغابة ليصبح العدوان بأساليب متعددة تعتمد اعتماداً مباشراً على الداخل لأن العدوان من الخارج يحتاج تحزبات دولية مكلفة فيلجأ المعتدي لاستخدام بعض الخونة من مواطني الدولة المستهدفة بعد أن يدفع قيمة كل خائن منهم لأن أسعارهم رخيصة مثلهم.
في الماضي القريب كانت طرق الوقاية للدول تعتمد على التسلح العسكري الذي تضطر أن تشتريه من بعبع يستطيع تعطيله بعد قبض ثمنه ويأتي لنفس الدولة (المشتري) بما هو أحدث من سلاحها عندما تسمح له بمواجهتها، نعم عندما تسمح له الدولة نفسها، وهذا السماح يكون سببه إهمال الجدية التي تأتي بالأنانية الجالبة للاستهتار الذي ينعش صناعة الخونة من الداخل، يصنع الاستهتار عند دمج الجدية الانتقائية بالهزلية المنظمة وخلطها مع بعض الموروثات القبلية والاختلافات المذهبية العاطفية، عندها قطعاً ستتخذ الجدية سبيلها في الجو هرباً.
الجدية هي الحياة عند الإنسان والتي يفتقدها الحيوان، الجدية تصنع العقيدة التي تُفرق بين تصرفات الفساد المشجع للخونة بتبديدها موارد البلاد وجلبها اليأس لنفوس العباد وبين ما يستحق الدعم بسخاء لأنه بناء يصد الأعداء، الجدية المنضبطة لا تحمي فقط من البعبع ولكن من النفس التي بجدها يتبخر الاستهتار فيُصان الجدار الذي بسقوطه تُكشف العورة فيستبيحها الجار والفجار.
عضو الجمعية العالمية لأساتذة إدارة الأعمال – بريطانيا

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *