[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]حصة العوضي[/COLOR][/ALIGN]

حينما نذكر ليالي النافلة منذ عقود مرّت .. وحينما ندعو مجتمعنا إلى العودة إلى إحياء ليالي التراث من جديد .. فإننا نتوقع عودة النافلة كما كانت بالسابق .. بكل بساطتها .. وكل عفويتها .. وبراءة الصغار الذين يجوبون منازل الحي بملابسهم البسيطة التي يرتدونها في حياتهم اليومية دون إسراف أو مبالغة .. وإلى تلك الأكياس التي تخاط من أقمشة زائدة عن الحاجة في معظم البيوت .. وإلى أطباق (الزلابية) .. التي ينتظرها الأهالي في البيوت في مثل هذه الليلة .. وخاصة أنها تأتي لنتذكر بها انتصاف شهر شعبان .. ولنشكر الله على إبقائنا أحياء حتى هذه الأيام القريبة من رمضان .. فنكثر من الصدقات والعطاء .. والعبادة .. حتى يأتي رمضان ونحن على قيد هذه الحياة .. نضيف منه إلى حسناتنا حسنات مضاعفة .. وننال منه عبر صيامنا وقيامنا ثوابًا أكبر عند الله ..
نحن لا ندعو لإحياء هذه الليلة سعيًا وراء المنافع الشخصية .. والمنافسات غير العادلة فيما تصرفه العائلات من مبالغ طائلة من أجل تجهيز كل طفل من أطفالها لمثل هذه الليلة .. حيث تبدأ مواقع البيع والشراء بطرق الهواتف والمواقع الإلكترونية .. بعروضها المتواصلة ليلاً ونهارًا .. لعرض كل ما تنتج عنه بيوت الأزياء والمتفرّغين لمثل هذه الأمور التافهة .. من ملابس وأزياء تراثية عالية الأسعار والأثمان .. فقط من أجل منافسة الآخرين في تلك الليلة الوحيدة .. بملابس الصغار التي تمنعهم من الحركة والجري من أجل التقاط تلك الحلويات .. كما تمنع عنهم تمتعهم بالبراءة والبساطة التي نشأ عليها أسلافنا .. ونشأنا نحن عليها من بعدهم .. وكنا بانتظارها .. ليس من أجل التحلي بالملابس غير اللازمة .. ولكن من أجل الانطلاق والحرية ونحن نجري ونتسابق من بيت لآخر .. بثيابنا الخفيفة والبسيطة .. والتي لا تكلفنا أي شيء .. لأنها جزء من ملابسنا اليومية ..الآن .. نحن نُعيد الذكريات .. ونحاول إعادة الماضي الجميل .. ولكن بالكثير من المبالغة .. والكثير من البذخ والترف اللذين لا يوحيان بهذه المناسبة البسيطة .. والتي أحد أهدافها استمتاع الصغار وأبناء الحي الواحد معًا .. في ساعات من الحريّة المعطاة سلفًا من قبل الآباء والأمهات .. للجري .. واللهو البريء .. والالتقاء معًا بكل من يعرفونه ومن لا يعرفونه من أبناء الحي .. حتى تتأكد الصداقات من جديد .. وتبرم عهود المحبة والألفة بين الصغار بتلقائية تامة .. دون قيود أو شروط عائلية تمنعهم من اللعب والاختلاط في يوم للاحتفال فيه بقرب شهر رمضان الفضيل .. والتأكد من أن قلوب الجميع لا تزال صافية تجاه هؤلاء الآخرين .. الذين يشاركونهم نفس الحي ونفس الأحداث ونفس المواجع والمناسبات .. بغيها وسمينها .
لقد تحولت ليلة رمضانية جميلة مثل ليلة القرنقعوه السنوية .. إلى مهرجان للأزياء التي يصعب على الصغار التحرّك فيها بحرية .. والتي تفرض عليهم قيودًا إجبارية .. تمنعهم من ممارسة طقوس الطفولة والبراءة .. في ليلة تسبقهم فيها عروض الملابس المغرية والمباعة بأغلى الأسعار .. ومبالغة الأمهات اللاتي يستعرضن أزياء أبنائهن على شاشات المحمول والكومبيوتر بكل مواقعه القريبة والبعيدة .. فقط من أجل التباهي أمام الأخريات بجمال وغلاء ملابس الأبناء ..
متى تكبر هؤلاء الأمهات ..؟؟ ومتى تعي كل واحدة منهن ما يريده هؤلاء الصغار ..؟؟ وما هو القصد والهدف الحقيقي من وراء هذه الاحتفالات التراثية..؟؟
لا شيء أجمل من البساطة الطبيعية .. والبراءة النقيّة الصادرة من عيون فلذات الأكباد وهم يُسارعون بملابسهم الخفيفة والبسيطة .. من أجل الالتقاء .. وبث روح الأمل والحياة السعيدة فوق كل مساحات هذا الوطن .. فلنتركهم وحدهم ليحتفلوا كما يحلو لهم .. ولنتركهم ليتمتعوا بالحريّة والانطلاق في هذه الاحتفالات ..دون ضغوط ..ودون أحمال ثقيلة ..ودون قيود بالملابس والأزياء التي من شأنها إطفاء بهجة الفرح والحرية ..التي تحملها تلك المناسبة للجميع ..وكل عام أنتم وأبناؤنا بألف ألف سعادة وطمأنينة وأمان.
كاتبة قطرية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *