[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. رؤوفة حسن [/COLOR][/ALIGN]

مشاهدة طقوس التنصيب في الانتخابات وتولي الرئاسة الامريكية عادة جميلة كل أربعة أعوام لكنها هذه المرة ذات مذاق خاص بسبب لون الرئيس الجديد. هناك أزمة عالمية مالية تواجه امريكا عبئها الأكبر، وهناك بطالة تتزايد كل يوم مع تزايد إغلاق الشركات والمصانع ويتصاعد خطرها كل يوم، وهناك تزايد اعباء الموازنات الأمريكية الناتج عن حروب خارجها في العراق وفي افغانستان، لكن الاحتفال هذه المرة مختلف.
فرغم كل شيء، فإن حدث تنصيب الرئيس الأمريكي كان حدثا خاصا لا ينبع من قدرة الرئيس الجديد على الامساك بالعصا السحرية وحل هذه المشاكل، بل من التاريخ القديم المتراكم الذي دفع ثمنه ملايين السود الذين تم اقتلاع اجدادهم الاحرار من أرض أفريقيا وتحويلهم عبيدا في الأراضي الامريكية للعمل في مزارع القطن وكل أشكال العمل الشاق الذي قامت عليه امريكا قبل ان تحل الآلات محل السواعد السوداء ويظل الملونيين من غير البيض يدفعون ثمنا للمعاملة المنقوصة لهم حتى بعد ان انهى ابراهام لينكولن نظام العبودية الذي كان قائما.
الرموز والصور:
متابعة الصور المتلاحقة عن حفل التنصيب هي ملاحقة لتاريخ طويل معبأ بالمعاناة والشعور بالانتصار. ما يقرب من مليون ونصف وصلوا الى واشنطن العاصمة من أجل اللحظة التي يسمعون فيها قسم الرئيس المنتخب للتأكد من حدوث الحلم وتحوله الى حقيقة.
معظم الذين وصلوا الى العاصمة كانوا من السود او الملونيين من الأقليات الأخرى التي عرفت اشكال مختلفة من المعاناة العرقية والعنصرية في مجتمع قائم على النظام الديمقراطي ولكن فترة طويلة من تاريخه هي تلك المليئة بالتعصب والعنصرية.
تبدأ الصور ذات الرموز المغرقة في المعاني، بنسخة الانجيل التي يقسم الرئيس الجديد عليها، انها النسخة نفسها التي أقسم عليها الرئيس الأمريكي الأبيض ابراهام لينكولن وعمل على ان يصدر وثيقة تحرير العبيد.
الرئيس الجديد صاحب اللون الداكن قليلا، اصله الكيني من أب افريقي لم يكن ابدا عبدا، هاجر الى امريكا كحر، وتزوج امريكية حرة وانجب هذا الابن ثم تركه وتركها. ليس في تاريخ هذا الشاب كل المعاناة التي عاناها السود منذ اربعمائة عام وحتى موت مارتن لوثر كينج الذي حلم بان يعيش السود والبيض في سلام.
لكنه ريئس رمز لكل الحقوق المدنية التي كانت مهدرة وهو رمز للحلم الأمريكي. ولأنه الحلم فإن قسمه يتم على نسخة كانت ترقد في المتحف لتصبح رمز للمحرر وللذي صار رئيسا ندا بعد مائة عام ونيف.
وسائل الاعلام تقابل الناس فيمعن كبار السن في تذكر الواقع الذي كان التعصب العرقي فيه على أشده، ويمعن الشباب في أعلان انفسهم سندا لتحقيق التغيير.
ورغم الافراط في محلية الرموز والصور، إلا أن امريكا تقدم رئيسها الجديد كمواطن عالمي، اصوله افريقية وتربيته اندونيسية وولادته في هونلولو قبل ان تصبح امريكية. كل ذلك يصب في رموز الزمن الجديد للعولمة.
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *