هشام ماجد
ثمة مبدأ يقول بأن \”الضغط يُوّلِد الانفجار\”، وآخر يُعلمنا بأن \”الحرارة تنتقل من المناطق الساخنة إلى شقيقاتها الباردة\”، وثالث يُنبئنا بأن \”الرياح تنتقل من مناطق الضغط العالي إلى ربيباتها المنخفضة\”. مهلاً! ليست هذه حصة فيزياء/جغرافية -لا تقلقوا- بل ببساطة أتساءل، هل تنطبق هذه القوانين على البشر؟ لنر.
أفتيتكم سابقًا عن كون اكتساب المعرفة مبنيًا للمعلوم، وحيث إن لكل عملة وجهين، فالوجه الثاني هو التفكّر، وهذه الأمور تتعلق أساساً بعمل العقل، ولكن ماذا عن العقلية؟ بعيداً عن تعقيدات التفسيرات، العقلية، ببساطة، هي المحصلة التي تعكس المعرفة المُكتَسَبة بعد تحليلها من قبل العقل، لذا تتجسد في ثقافة المرء؛ أي ما ينتجه من فكر. بإضافة ذلك إلى كل من المشاعر، الأحاسيس، السلوك الذي يعبر عادة عن درجة تحضَره، يصبح لدينا ما يعرف بـالشخصية؛ تلك المنظومة المتكاملة التي تحدد كينونتنا، طبعاً مع وجود الروح، التي نفخها سبحانه فينا، لذا أتجنب التعرض لها فهي من أمر ربي.
هذا عن الفرد، ذكرًا كان أو أنثي، فماذا عن الأشياء وعلاقاتها التبادلية معه في المجتمع؟ الأشياء إما مادية أو عقلانية، وفي كلا الحالين تصل إلينا عادة في صورة مُنمّطة. لتسهيل الأمر، فمثلاً عندما أقول \”قطة\” أو \”مواء\”، تقفز إلى أذهاننا جميعاً صورة معينة ترمز لكليهما وهكذا دواليك، أما عن الأشياء العقلية فهي تصل إلينا في صورة إما إيجابية أو سلبية، مثلاً الأخلاق، المرأة، العمل، وهكذا دواليك.
طيب ماذا عن نوع العقليات التي تستقبل تلكم الصور؟ عقلية المرء، ذكرًا كان أو أنثى، تُشَكّل تبعاً لما نشأ عليه من تربية، وما اكتسبه من معارف، وما خبره من تعامل، وبعيداً عن تعقيد التنميط، في رأيي، هناك نوعان:
– الأولى: المُؤَطّرة؛ وهي التي تقبل الصورة النمطية السلبية؛
– الثانية: التساؤلية؛ وهي التي لا تقبل الصورة النمطية السلبية.
مشكلتنا في عالمنا العربي، أن الأولى هي السائدة لأسباب عدة ليس هذا مجالها، بينما الثانية غائبة نوعاً، مع أنه من المفترض أن توجد مادام الأصل هو البناء للمعلوم على أقرأ كما أسلفت سابقاً، وعليه نرى كثير من مشاكلنا التي يلوح لي أنه نشأ بيننا وبينها نوع من التطبيع المموج الذي لا يستسيغه عقل.
إذاً ما الحل؟ المشعل وليس لعن الظلام؛ وبكلمة أوضح التنوير. التنوير ببساطة هي حالة إدراكية يستشف الفرد منها موقعه الإعرابي في هذه الحياة، إما أن تكون عقليته متجمدة على ما وجدنا عليه آباءنا -حتى وإن كان ما يفعلون خاطئاً- وبذا يصبح ممنوعاً من الصرف، وإما منصرفة إلى ابتغاء مرضاة الله بأداء دوره الاستخلافي، في إطار التنوع والتمايز بين البشر الذي ينمي العمران ويتفهم الاختلافات. هذا على مستوى الفرد، أما على مستوى الأمة، فالأمر متماثل والأمثلة دائما تُسّهِل الأمور، لذا أسوق إليكم اثنين:
– الأول: أجدادنا في فهمهم لدورهم الاستخلافي قاموا بنقل وتنقيح أسلافهم، لا بعقلية الناسخ بل بعقلية المتسائل النهم للمعرفة، وبذا لم يكتفوا بالنقل والتنقيح بل تطور الأمر إلى الإضافة وبذا امتلكوا الأدوات التي تكاملت مع الثقافة وأنتجت الحضارة الرائدة التي سادت وأنارت.
– الثاني: عصر النهضة الأوروبي؛ مع كونى على بينة بالاختلافات والمسببات التي انطلقوا منها، إلا أنهم قاموا بمثل ما قام به أجدادنا مع أسلافهم، فامتلكوا الأدوات التي مكنتهم من إنتاج حضارتهم التي نحيا في ظلالها اليوم.
حسن! ماذا إذًا عن الأسئلة التي طرحتها في البداية؟ هاكم وجهة نظري:
1)\”الضغط يُوّلِد الانفجار\”؛ ضيق الأفق يولد انفجارًا في مشاعر التعصب الأعمى؛
2) \”الحرارة تنتقل من المناطق الساخنة إلى شقيقاتها الباردة\”؛ \”؛ أتساءل إن كان هذا ممكناً في التنوير على مستوى الأفراد من خلال مثقفيها؟
3) \”الرياح تنتقل من مناطق الضغط العالي إلى ربيباتها المنخفضة\”؛ أتساءل إن كان هذا ممكناً في التنوير على مستوى الأمة من خلال مثقفيها؟
أختتم بآيات ربي في محكم التنزيل:
[أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115)] – سورة المؤمنون
[قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الأَلْبَابِ (9)] – سورة الزمر

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *