الملك الشجاع ..ينتصر لـ «كارثة جدة»

• بخيت طالع الزهراني

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]بخيت طالع الزهراني[/COLOR][/ALIGN]

** كلما مررت بسيارتي ومعي أسرتي من أمام بيت الطفل \”سعيد\” ينتفض ابني \”عمر\” صاحب العشر سنوات، كالملدوغ صائحا \”أبويه – هذا بيت صديقي سعيد\”.. ثم لا أملك أنا إلا أن اجيبه بكلمات مغموسة بالحزن، ظاهرها التدثر بالكبرياء المصطنع \”الله يرحمه – يا ولدي\”.. لكنني أحاول ان استرق نظرات خاطفة إلى \”عمر\” فأراه \”يبحلق\” ناحية بيت صديقه الطفل \”سعيد\” بنظرات غائرة وشاردة، مملوءة بالأسى، من وجه بريء لا يدري كيف مات صديقه سعيد \”بالضبط\”..
ومن الذي كان السبب وراء اقتطاف طفولته الغضة، بينما كان غافلا يتقافز كفراشة فوق الساحة الاسفلتية المقابلة لداره!!
** \”سعيد\” هذا أعرفه تماماً، وما زالت ملامحه مرسومة في عمق ذاكرتي، وقد كانت تربطه حميمية دافئة مع \”عمر\” لدرجة اننا اذا فقدنا \”عمر\” سألنا عنه ناحية المكان الذي يكون فيه \”سعيد\” في ساعات ما بعد العصر، او لحظات المساء المبكرة.
ولم يكن \”سعيد\” سوى واحد من حشد من البشر، الذين تخطفهم سيل الاربعاء الاسود، الذي اجتاح شرقي جدة، ظهيرة الاربعاء المشؤوم، ليكون واحدا من عشرات ضحايا الفساد وضياع الضمير، لقد كان يرتع في براءة خالصة، ويمني النفس بنزهة خلوية بديعة على مقربة من باب بيته في حي قويزة، بعد تناقص معدل هطول أمطار الاربعاء الأسود، حتى إذا ما فاجأت الحي بكامله \”جبال\” المياه الغاضبة، لتجتث في \”غمضة\” عين \”سعيد\” ومعه آخرون، شاء حظهم أن يكونوا خارج بيوتهم، ثم لتتقاذفهم الأمواج مسافات طويلة، ولتسحق اجسادهم وسط خليط من السيارات التي \”تطايرت\” معهم، في مشهد مروع، لا تقوى على محاكاته اعظم أفلام \”هوليود\” الشهيرة.
** استشهد \”سعيد\” مع عشرات الشهداء، وتلفّت الناس بعد نهاية \”المسرحية /المأساة\” ليشيروا بأصابع الاتهام إلى حفنة المفسدين، الذين فعلوا فعلتهم بكل \”وجه بارد\”.. إلى الذين كانوا سبباً في تيتيم الصغار، وترميل النساء، وخطف ارواح الزهرات من الصغار، بعد سلسلة من اعمال السوء التي مارسوها تحت جنح الظلام، او تحت وهج الشمس – لا فرق – وبعد ان باعوا ضمائرهم، وانحازوا الى انانيتهم وجشعهم وتلاعبهم بالمسؤولية و\”الأمانة\” التي حملوها، فاضاعوها للاسف شر ضياع!!
** إلى ان جاءت قرارات ملك الانسانية، صاحب القلب الرؤوف، الملك الشجاع، الصالح المصلح خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والتي نشرتها الصحف الثلاثاء الماضي 27 جماد الاولى 1431هـ، وبعد ستة اشهر تقريبا من الكارثة، لتكون البلسم الجميل، الذي داوى جراحات المكلومين، وشفى صدور الغاضبين والحانقين من الفساد والمفسدين، في قرارات ملكية حازمة وحاسمة، وضعت النقاط على الحروف، ومنحت الناس افقا جديدا من الحياة، والتنفس الطبيعي، وبعد ان قالت \”كلمة الفصل\” في كارثة لا يمكن ان تُنسى، ولا يمكن ان تمحوها الايام لعقود كثيرة من الزمن، لشدة اهوالها، وعظم فصولها، ونتائجها الكارثية المدمرة.
** الملك عبدالله، كان كعادته حفظه الله في الموعد، وكان في اللحظة الحاسمة، بدءاً ببيانه التاريخي الشهير، الذي صدر ثالث ايام الكارثة، والذي عبرّ فيه عن انسانية بالغة الثراء، وعن حميمية وتلاق وتلاحم فائق النكهة مع اخوانه وابنائه المفجوعين، فكان بيانه التاريخي روشتة نفسية \”بديعة الأثر\”، اسعدت القلوب، وفرجت الهموم، واراحت الاعصاب ساعة النكبة.. الى ان جاءت قبل يومين قراراته الحكيمة والحاسمة والحازمة، لتقول كلاماً بديعاً يفوق حروفها وسطورها، ولتتحدث معانيها خارج وبين سطورها عن قيم انسانية خالدة، لا يمكن ان ينساها المواطن ولا الوطن، لملك رحيم، وقائد حازم، وانسان يحمل في جوفه قلباً يتسع لوطن ممتد الأرجاء بحجم قارة.. نعم أيها الملك الانسان، ايها الملك الشجاع لقد أثلجت صدور اخوانك وأبنائك بقراراتك التاريخية عن كارثة جديدة، ولقد \”رسمت طريق\” منهج عظيم في الاصلاح، ومحاربة الفساد والمفسدين والخونة!!

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *