[ALIGN=LEFT][COLOR=blue] خيري منصور [/COLOR][/ALIGN]

يعرف الناس من ثقافتهم العقائدية أو الشعبية من هو الملاك الأزرق ، ومن هو الملاك ذو الأجنحة ، لكن الملاك الأعمى اسم جديد في معجم العراق الحديث ، وهذا ما اطلق مؤخرا على طفلة فقدت بصرها وشوه جسدها بسبب واحد من الانفجارات المجانية المنسوبة الى مجهول.
ان اكثر من ثلث العراقيين يعيشون الان كلاجئين ومهاجرين في اكثر من ثمانين دولة في هذا الكوكب ، وهذا وحده كان كافيا لان تضع الحرب العراقية ـ العراقية هذه المرة أوزارها،
فما يجري في العراق لا يمكن اختزاله الى كلمة واحدة ، سواء كانت المؤامرة ، او الانتحار الاهلي ، ذلك لان الاجندات على اختلاف المرجعيات استهدفت العراق كي لا يعود عراقا واحدا ، وثمة اطراف رأت في الاحتلال فرصة ذهبية لصياغة عراق ممسوخ ، وبلا هوية أو ملامح.
ان الملاك الأعمى ليس طفلا واحدا في العراق بل هي الطفولة كلها ، لأنها صودرت في زمن الحصار وذبحت وانتهكت في زمن الاحتلال ، ويخطىء من يتصور بأنه ليس مسؤولا بهذا القدر او ذاك عن كل هذا الدم ، فالعالم كله يتحمل بحصص متفاوتة ما حدث للعراقيين ، وان كان العرب قد احتفظوا لأنفسهم بحصة الضبع لا الأسد من الوليمة ، فهم خاسرون بامتياز ، لان العراق ليس جملة معترضة او طارئة في تاريخهم وجغرافيتهم بحيث يتم حذفها على النحو وهم نائمون في العسل تحت اسراب الذباب،
وأخطر ما في المسألة العراقية هو تحول مشاهد الموت والدم والدمار الى مشاهد يومية تألفها العين وتشيح عنها بحثا عن سواها بحثا عن التسلية والامتاع ، وكل شيء قابل لان يصبح مألوفا الا الدم لأنه مشترك انساني ومن يتواطأ على سفحة في أي مكان هو كمن يستقيل من الجنس الآدمي وينتسب الى الغاب.
ان خسائر العراق هي اضعاف ما تقوله الحواسيب حتى لو كانت شديدة الذكاء فثمة اصابات نفسية واجتماعية تستحق ان توصف بالوباء ، ومستقبل العراق لم ينج من كوارث الاحتلال لان من سيولدون بعد الان سوف يحملون على كواهلهم ارثا ثقيلا ، ويجدون انفسهم متورطين بمديونيات لا آخر لها.
وما يبدو مفاجآت تقلب الموائد والمعادلات في المشهد العراقي ليست وليدة المصادفة فالأيدي كثيرة والاصابع مشتبكة لكن البصمات وقعت على بعضها كما كان اجدادنا العرب يقولون عن وقع الحافر على الحافر،
واذا كانت الوصفات المطبوخة على عجل في غرف الجنرالات والوكلاء قد فشلت في الحدّ من هذا الدمار والتفكيك ، فذلك لان لكل طرف ليلاه العراقية التي يغني لها قليلا لكنه يغني عليها كثيرا.
والدور العربي ازاء العراق لا يزال قاصرا وذا بعد رمزي رغم انه فرض عين على أمة باسرها ، لان الدراما العراقية خلخلت النسيج القومي كله وقد لا تبدو النتائج الكارثية الان مرئية بالعين المجردة ، لكن الايام لا الاعوام سوف تكشف المستور.
لقد اضاع العرب بشكل أو بآخر عراقهم وفرطوا به عندما رأوه غارقا في الدم وقالوا له اياك اياك ان تَبْتلَّ..
فهل فات اوان الاستدراك ام ان هناك بقية من الخجل والاعتذار والقبض على ما تبقى؟؟
عن الدستور الأردنية

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *