المكان بالمكين – والمكين بالمكان
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]عبد الله إبراهيم السقاط[/COLOR][/ALIGN]
الكل من بني البشر في الحياة الدنيا يسعى جاهدا للارتقاء بشخصيته إلى ما يتطلع إليه في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، سواء في نطاقه الصغير داخل الأسرة أو المحيط الاجتماعي الأوسع ، وهذا حقه الذي يكتسبه ويمارسه في مختلف مراحل العمر، ومن الطبيعي أن يكون لكل إنسان أسلوبه في الوصول للمكانة التي ينشدها .
هذه طبيعة بشرية لاتخص شخصا دون ولا تتفرد بها شعوب وأمم دون أخرى، لأنها فطرة وغريزة بشرية يمارسها الإنسان منذ سنين عمره الأولى، لكنها تأخذ أشكالا شتى تبعا لاختلاف الإنسان في فهم حدود هذه المكانة وأسلوب تحقيقها، فهناك المكانة بالعلم أو بالمال أو بالوظيفة أو بالوجاهة والحكمة والتفاعل مع مجتمعه بروح طيبة ويقدم أسرة ناجحة مترابطة .
وهكذا قد يكون للإنسان نصيب من أسباب المكانة، أحدها أو مثنى وثلاث أو يؤتى الفضل منها جميعا، وفي كل حال يكون حظ الإنسان عظيما طالما كان ذلك في طاعة الله ثم خدمة وطنه ومجتمعه .فقد يمتلك الإنسان مالا أو علما لا ينفع ولا يستفاد منه، مثل هذا ليس له نصيب من المكانة الاجتماعية، ومنهم من يتمتع بالمكانة وهم لا يملكون من حطام الدنيا شيئا، والبعض الأخر منهما قد يكون له نصيب من أسباب المكانة لكنه يفتقر إلى القدرة الذاتية التي تمكنه من الارتقاء بشخصيته، فلا يصل إلى ما يصبوا إليه في هذه الحياة .
ومن هنا يتضح لنا أن لكل مكان مكين ولكل مكين مكان .وعن هذا يوضح لنا علم الاجتماع أن من هذه الفئات من ينشد المكانة لمجرد المكانة، بالاستعانة إما بنفوذ أو بتكتلات جماعية تعينهم على الوصول إلى ما يتطلعون إليه من نفوذ اجتماعي .فإذا ما تعارضت الرؤى والأهداف مع تطلعات طالبي الاستعانة منهم، فهنا يكون التوازن الذي يكبح جماح النفس، أما إذا كان الحظ قد حالف طالبي العون ووجد مسعاهم صدى لدى ذوي النفوذ أو التكتلات ومورست المكانة في غير مكانها، فسيكون هناك ضحايا لاشك .
إن مكانة الإنسان الحقيقية لاتمنح ولاتأتي من فراغ وإنما من دور مهم في الحياة وحسبما يكون هذا الدور إيجابي وبناء يكون الإنسان في المكانة الصحيحة ومكانه المناسب، خاصة إذا كان في موقع القدوة والعمل العام، وهذه نقطة جوهرية في الحياة خاصة بالنسبة للمواقع التربوية، ونحن في عصر اختلطت فيه المفاهيم واستجدت عادات وأساليب وثقافات وافدة بحكم تأثير العولمة الإعلامية التي تقدم نماذج خارج قاموسنا الاجتماعي والأخلاقي، ومن هنا، لكن ما يزعج حقا هو التكتلات والشللية السلبية، وتغير مفهوم المكانة الاجتماعية أو الوظيفية والتي تسلب المجتمع روح القدوة والترابط من خلال التكتلات السلبية دون مراعاة لأمانة الأداء والواجب الوظيفي والاجتماعي المطلوب، مما ينتج عنه ضياع مصالح البلاد والعباد .
وهذه الظاهرة الغير حميدة تشكو منها كثير من المجتمعات، ويبدأ الخلل والضرر عندما تغلب المصالح الخاصة على حساب العامة أو مصلحة الفرد على حساب الجماعة أو المجاملة التي تمرر أخطاء وباطل على حساب الحق والحقوق .فهل من صحوة ضمير للرجوع إلى ما تقضى به مسؤولية الأفراد أمام مجتمعاتهم الذين هم جزء منهم، والتمسك بقيم الحياة المتحضرة التي يسعى فيها البشر إلى الارتقاء بضمائرهم وأداء الواجبات الملقاة على عاتقهم بأمانة وإخلاص، وهنا يكون الإنسان المناسب في المكان المناسب، وكما نقول نحن المكان بالمكين، والمكين بالمكان .والله الموفق
التصنيف: