المقابلة الشخصية..لمصلحة من؟

• عبد الناصر الكرت

لقد اعتادت بعض اللجان في عدد من الإدارات الحكومية والمؤسسات على أن تكون المقابلات الشخصية للمتفاضلين على وظائفها هي الحيلة الضعيفة لاختيار من يرغبون بصرف النظر عن القدرة والكفاءة والأحقية فتذهب الفرص إلى غير مستحقيها بحجج واهية مما يؤدي في النهاية إلى ضعف الأداء ونقص الإنتاجية في تلك الأجهزة..ذلك لأن المقابلة الشخصية لا يعيرونها اهتماما كبيرا ولا ينظرون إليها على أنها من متطلبات العمل المهمة لانتقائية الأفضل واختيار الأميز بل لتمريرها على الهوى والمزاج واعتبارها وسيلة مناسبة لكسب الجمائل وتقوية العلاقات وتمرير الواسطات طالما ليس هناك معيارية محددة ولا منهجية علمية ولا محاسبة فيما بعد ، وتجري كيفما اتفق بلا اطلاع أو دراسة لأوراق المرشحين ولا معرفة بجوانب إدارة الحوار وكشف جوانب الشخصية.
وهكذا تؤول الأمور إلى غير أهلها!! ويحضرنا في هذا الصدد نكتة تقول بأن هناك لجنة كانت تجري المفاضلة بين اثنين لاختيار أحدهما لوظيفة محددة وأجريت المقابلة لهما في نفس الوقت وكان السؤال الأول لمن يميلون لاختياره بقولهم: بلد المليون شهيد كم قدم شهيداً في حربه مع الاستعمار الفرنسي؟ فكانت إجابته على الفور مليون شهيد لتعقبها كلمات الامتداح (عظيم ,جميل, ممتاز) فيكون السؤال التالي مباشرة لزميله المنافس بقولهم: أذكر أسماء المليون شهيد؟وسط ذهوله من هذا السؤال المحير لتذهب مثلا في المقابلات التافهة والأسئلة المقصودة التي لاتقيس مستوى ولا تحقق هدفا إنما تأتي للتعجيز أو لإشعار الموظف بأنه لم يجب على أسئلتهم.
وهكذا تتحول المقابلة إلى فعل استفزازي يستثير مشاعر الغضب أحيانا مما يسقط سمعة المؤسسة حيث يذكر أحد التربويين النابهين بأنه تقدم لوظيفة الإشراف التربوي بإحدى المناطق وعندما بدأت المقابلة من أعضاء اللجنة كان أول أسئلتها ماهي فروض الوضوء ليعقبه السؤال الثاني : عدد أركان الصلاة ويقول التربوي وقتها تبدلت دهشتي من هذه الأسئلة إلى حزن عميق على مستوى التعليم إذا كانت بعض اللجان بمثل هذا المستوى المتردي ، حيث تشكل لديه انطباع سيئ عن تلك الإدارة ! وهو مايجب أن تحرص الوزارة على معالجته بتدريب واختيار من يتولى المقابلات فليس الأفضلية بالأقدمية إنما بالوعي الإداري والفني والتربوي والثقافي…
ولأن الأمور كانت محكومة بالمزاج فقد تقدم أحد المتميزين كذلك لوظيفة الإشراف في تلك الإدارة وكانت اللجنة مشكلة من اثنين ورغم أن المتقدم من المعلمين البارزين ويحمل درجة الدكتوراه في التربية والحاجة لمثله قائمة إلا أنه لم يقبل ! وعندما سئل أحدهما عن أسباب عدم قبوله جاء رده بعبارة شعبية:،(شايف نفسه ، وفيه شوية غطرسة). وبسؤال الآخر قال: كان مرتبكا ومهزوزا في المقابلة وهي مناقضة لتبرير زميله فهما اتفقا على عدم القبول ولم يتفقا على تحديد السبب ولكنه استبعاد للأجدر والأفضل ، لقناعتهما بأنه أفضل منهم جميعا خاصة وأن إدارتهم ليس فيها من يحمل هذه الدرجة العلمية في ذلك التاريخ .
ومثله آخرون كانوا على مستوى عال من الكفاءة من جميع الجوانب حرصت اللجان على عدم قبولهم خشية من دخول من هم أفضل منهم .. وكان قرار أولئك الخروج من التعليم العام إلى التعليم العالي وهم يحملون حاليا درجة الاستاذية في تخصصاتهم وفي مواقع مميزة وأسماؤهم معروفة على المستوى العربي . فإن كانت الجامعات قد كسبتهم فإن تلك الإدارة قد خسرتهم ومن بعدها التعليم العام بأسباب ضعف لجان المقابلات الشخصية مع الأسف الشديد وعدم استيعابهم للأهداف.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *