[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]علي بن عبد الرحمن السويقي[/COLOR][/ALIGN]

تعدت المصرفية الإسلامية مرحلة الانتشار وإثبات الوجود خلال السنوات الماضية واستطاعت لفت انتباه جهات عديدة؛ حيث تقوم هذه المصرفية بخدمات جليلة تسهل على الأفراد الحصول على احتياجاتهم من النقود وغيرها عن طريق أدوات تمويلية تتوافق مع الضوابط والأحكام الشرعية. ونظرا لتزايد اهتمام المستثمرين في المنتجات المصرفية المتوافقة مع الشريعة خلال العقود الأخيرة فقد قامت المنشآت المالية بصفة عامة والمصارف بصفة خاصة بالتحقق من شرعية هذه المنتجات عن طريق الحصول على فتاوى اللجان الشرعية المتخصصة؛ لكن بالرغم من البداية الصحيحة لهذه المصارف، فقد وجدت بعض المؤشرات التي توحي بوجود خلل عند التطبيق بالرغم من احتجاج المصارف بكثير من هذه الفتاوى، وهذا قد يؤدي إلى نزع الثقة من هذه المصارف والمنتجات المتوافقة مع متطلبات الشريعة التي تقدمها. وعند سؤال أهل الاختصاص عن وجود مثل هذا الحالات كان هنالك اعتذار بعدم وجود الوقت الكافي من قبل أعضاء اللجان للتأكد من مدى التزام المصارف بتنفيذ الخطوات المنصوص عليها في الفتوى الخاصة بالمنتج. ويضيف البعض أن اختصاص اللجان الشرعية ينحصر في إصدار الفتاوى وتحديد الخطوات اللازمة لتنفيذ العمليات ذات العلاقة، وليس من مسؤوليتها التأكد من التطبيق. وهذا غير صحيح، فالمسؤولية لا تسقط عن اللجان الشرعية بمجرد صدور الفتوى؛ حيث إن استفادة المصارف والبنوك من الفتاوى تتعدى مرحلة تحديد الخطوات اللازمة لاكتمال الوجهة الشرعية إلى مرحلة الترويج والإعلان عن شرعية منتجاتها للمستهلكين. ومما لا يخفى على الجميع أن السؤال الأول لأي مستهلك وراغب في الحصول على التمويل الموافق للشريعة هو: هل المنتج متوافق مع الشريعة الإسلامية وما دليل ذلك؟ ودائما ما تكون نسخة الفتوى موجودة في البنك نفسه, تضفي نوعاً من الضمان والطمأنينة لدى الفرد عن مدى سلامة الإجراءات المصاحبة لعملية التمويل. وتجدر الإشارة هنا إلى عدم كفاية معلومات وثقافة شريحة عريضة من المستهلكين بشروط البيوع الإسلامية كما وردت في فقه المعاملات للتأكد بأنفسهم عما يتم تطبيقه، ويترك ذلك دائما للفتوى الموجودة؛ حيث إن عامة المتعاملين مع هذه المصارف غير ملمين بموانع الصحة مما يجعلهم معتمدين على اللجان الشرعية في إبراء الذمة. وذلك يوسع دائرة الحرج والحاجة إلى إجراءات أخرى تضمن التزام المصارف بسلامة الإجراءات المرافقة للفتاوى؛ حيث إن السماح للممولين بممارسة الاحتيال (إن وجد) باسم الدين على عملائهم بتقديمهم منتجات إسلامية (غير متوافقة مع الشريعة) ربما كانت أكثر خطورة من الربا، كما يرى بعض العلماء. وهنا نشأت الحاجة إلى وجوب مراجعة تنفيذ العمليات.
ولكن من يقوم بعمليات المراجعة حاليا؟ تترك عملية المراجعة والفحص للمصرف ذاته, الذي في أحسن حالاته ينشئ قسماً خاصاً بالتدقيق والالتزام الشرعي لمراقبة العمليات الشرعية، وهو قسم خاص داخلي يقدم تقاريره لإدارة المصرف. وتبرز هنا عدة ملاحظات:
أولا – عدم استقلالية القسم المختص بالتدقيق عن المنشأة, وبالتالي عدم فاعلية هذا القسم في تثبيت ضمان سلامة العمليات المنفذة؛ حيث يمكن لأي منشأة مالية تقييد عمل هذا القسم عند الحاجة إلى ذلك. وكمثال واقعي على ذلك، فإن وجود قسم للمحاسبة وآخر للمراجعة الداخلية في أي منشأة لا يلغي الحاجة لوجود مراجع حسابات خارجي مستقل لإضفاء الثقة عن طريق إصدار تقرير مراجع مستقل للتأكد من عدم وجود أي خطأ جوهري قد يؤثر في سلامة القوائم المالية. ثانيا – في بعض البنوك، لا يكون الاستثمار في أقسام التدقيق كبيرا, حيث تعاني هذه الأقسام أوجه قصور عدة مثل قلة العدد في الأفراد المؤهلين أو الموظفين أو قلة العدة كضعف التأهيل المحاسبي؛ وبالتالي مؤهلات التدقيق لاستخدامها في تطوير عمل المراجعة والفحص والخروج بأفضل النتائج.
الاقتراح المقدم من وجهة نظرنا المتواضعة، لا بد من وجود جهة مستقلة معينة من قبل اللجنة الشرعية يشرف عليها أحد أعضاء هذه اللجنة تقوم بعملية التدقيق للعمليات والتأكد من موافقتها للفتوى المصدرة مسبقا. وتقوم بتقديم تقريرها النهائي إلى اللجنة الشرعية متضمنا الحالات التي وجدت فيها انحرافات وأسباب هذه الانحرافات (هل هي أخطاء مقصودة أم غير مقصودة) لاستخلاص النتائج.
كيف يمكن إلزام البنوك والمصارف بالسماح لمثل هذه الجهات؟ (استخدام الترخيص): تصدر اللجنة الشرعية فتاواها محددة بمدة استخدام زمنية وذلك بالترخيص للجهة المستخدمة بفترة استخدام تنتهي بعد مدة معينة (سنة أو سنتان)، ولا يتم تجديد الترخيص للمصرف لإعادة الاستخدام إلا إذا كان التقرير المقدم من الجهة المستقلة نظيفا ولا ينطوي على أخطاء جوهرية صعبة التصحيح؛ وعليه يعلم المتعاملون مع المصارف أن الفتوى ليست سارية بسبب خطأ في التطبيق ويتم العزوف عن هذا المصرف؛ وبالتالي الضغط على المصرف أو البنك بالعمل على تصحيح منهجه التطبيقي والاهتمام بالناحية الشرعية. كيف يتم دفع أتعاب جهة التدقيق المستقلة هذه؟ يتم الاتفاق مع جهة التدقيق من قبل اللجان الشرعية وتقوم المصارف بدفع الأتعاب المتفق عليها بين اللجنة وجهة التدقيق للجنة الشرعية، التي تقوم بدورها بتسليم جهة التدقيق أتعابها؛ وبالتالي ضمان استقلالية الفاحص (المدقق) الخارجي من أي مؤثرات تؤدي إلى تقويض أو زعزعة عمله المهني.
وختاما نؤكد ضرورة العمل على إيجاد طريقة مُثلى ومناسبة لضمان استمرارية ثقة المستهلك بمنتجات المصارف المتوافقة مع الشريعة. وبالتالي العمل على سد الفجوة التي بدأت تتسع بين النظرية والتطبيق لتلك المنتجات، وإلا سنعود لخط البداية ويتقلص الانتشار الحالي للمصرفية الإسلامية.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *