[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د. علي عثمان مليباري[/COLOR][/ALIGN]

هل سبق أن لدغتك «نميمة» من العيار الخفيف فعكرت مياه الود والمحبة بينك وبين آخرين، أو من العيار الثقيل فسممت علاقتك برئيسك في العمل أو زميلك أو صديق؟.
بالقطع كثيرون في كل عصر وكل مكان احترقوا بنيران الغيبة والنميمة والبهتان، ووقعوا ضحايا – بالمفرق والجملة – لتلك الأمراض والآفات التي تصيب الأخلاق في مقتل، رغم أن ديننا الحنيف حرمها وحذر منها في القرآن الكريم والسنّة المطهرة قبل أكثر من 14 قرنًا، والمفارقة العجيبة أن تصبح عادة في كلام البعض لتشويه صورة وسمعة الناس لدرجة التفريق بين المرء وزوجه، وخصومة الأخ لأخيه!.
السبب في هذا الداء هو إهمال الأخلاق وضعف قيم التعامل، والانشغال بماديات الحياة وزبد الدنيا إلا من رحم ربي، فاستسهل البعض فلتان اللسان الذي هو أشد قطعًا من النصال بالخوض في أعراض الغير – القريب والبعيد – لمجرد خلاف أو طمع أو حسد وغيرة، أو عادة اجتماعية في أحاديث ومجالس اللغو.
وكما أن هناك من يمشي بالغيبة والنميمة والوقيعة بدلاً من مكارم الأخلاق، هناك أيضًا من يحب الاستماع إلى هذه الآفات، ويزيد عليها بما تنضح به نفسه من إساءات، ومن المؤسف أن ينتج عن ذلك ضحايا من أزواج وزوجات حيث يتدخل الغير حتى من بعض الأهل بالنفخ في المشكلات ودفع النفوس دفعًا نحو الكراهية فينهدم البيت على من فيه ولو كان يضم أطفالاً!.
وفي بعض بيئات العمل لا تقل الظاهرة خطورة، حيث تجد الغرائب والعجائب من أشكال وأساليب الغيبة والنميمة (والدز)، وكم من موظفين أبرياء تعرضوا لظلم صريح وراحوا ضحية هواة ومدمني الغيبة والنميمة، حيث تأتيهم قنابلها بغتة، وبعض المسؤولين – هداهم الله – لا يجيدون الإدارة إلا بسياسة (فرّق تسد)، ومثل هؤلاء يسلّمون أذنهم تسليم مفتاح للمشائين ذوي النفوس الخربة، ممن يسممون أجواء العمل أينما كانوا وأينما حلوا ، حتى يزيحوا من في طريقهم ويصعدوا فوق الأكتاف.
والغيبة والنميمة والوقيعة ليست بالضرورة اجتماعية فقط، وإنما أيضًا دخلت السياسة وفي الكثير من وسائل الإعلام، ثم ظهرت النميمة الإلكترونية التي تمددت وأخذت راحتها على الشبكة العنكبوتية، وها هي الفتن تحرق شعوبًا نراها اليوم تدفع الثمن باهظًا لفوضى الأخلاق في زمن أسموه «الربيع العربي».
إن هذا الظلام الكئيب والكثيف لآفات الفتن الكلامية والغيبة والنميمة، لا ينتج عنه إلا نسف الأخضر واليابس في علاقات البشر، وما يؤسف له حقًا أن بعض المغتابين والمشائين بنميم يجدونها في أنفسهم قيمة ليكونوا بها (قامة)، لكن حبال الكذب قصيرة والحق أبلج. يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}.
ليتنا نفتّش في نفوسنا ونحاسب أنفسنا قبل الانشغال بغيرنا . فماذا يفيد الإنسان لو كسب الدنيا وخسر نفسه وآخرته ، وقد قال صلى الله عليه وسلم :»المسلم من سلم الناس من لسانه ويده»، اللهم اهدنا سواء السبيل.
كاتب وباحث أكاديمي
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *