المسلسلات التركية بين الرصانة والتفاهة

Avatar

متيم جمال

مقارنة نقدية بين \”حريم السلطان\” و\”بائعة الورد\”

راجت في السنوات الأخيرة موضة المسلسلات التركية المدبلجة. ولعل هذا البروز التركي يرتبط بعدة أسباب منها أوجه الشبه بين الثقافتين العربية والتركية، والتشابه في ملامح الشكل بين الاتراك والشعوب العربية المتوسطية بالإضافة إلى شوق العرب للتعرف على جيرانهم الأتراك. إلا أن معظم المسلسلات التركية المدبلجة لا تقدم بالضرورة انعكاسا للمجتمع التركي، ولم تلق في بلدها الأصلي ما لقته من نجاح في العالم العربي. فسبب المشاهدة العالية عندنا ليس روعة القصة فمعظمها رديء ولا براعة التمثيل ولا رسالة العمل فمعظمها سخيف، إنما التفوق التقني وجمال الصورة والموسيقى التصويرية بشكل عام. وأقصد بجمال الصورة جمال الممثلين والممثلات، جمال الديكور والملابس والبيوت والطبيعة ونمط المعيشة، بالإضافة إلى هامش الجرأة الذي يقبله الجمهور العربي بالأعمال الأجنبية ولا يقبله بالأعمال العربية. وكي لا نعمم، سأستعرض هنا عملين مدبلجين يعرضان حاليا على القنوات العربية، لنرى ما نوعية الأعمال التي تُشترى لتُقدّم للمشاهد العربي.
يعتمد المسلسل أساسا على النص، أي القصة والسيناريو، ومن ثم تأتي العوامل الأخرى لتوصل القصة للمشاهد، فيستمتع بها فنيا وعاطفيا وسمعيا وبصريا ويخرج بخلاصة مفيدة أو بقيمة جميلة أو بفكرة نبيلة. والقصص الدرامي يحتاج لقدر كبير من المنطق والواقعية في تصوير صراع الأبطال للوصول إلى مبتغاهم ومواجهة التحديات التي تعيق مسيرتهم. وهذا الحس الدرامي ظاهر بحرفية عالية في مسلسل \”حريم السلطان\”، خاصة من ناحية التماسك في البناء وتطور الحبكة الدرامية، حيث إن البطلين الرئيسيين، السلطان سليمان والجارية هيام، يواجهان التحديات بطرق مختلفة للوصول إلى أهدافهما. وبكل حلقة تظهر صعوبات جدية جديدة وتتعقد الأمور أكثر بصورة مقنعة، وما تلبث ان تنفرج من ميل حتى تتعقد من ميل آخر، فيظل المشاهد حابسا أنفاسه منتظرا لحظة بلحظة ماذا سيحدث، ويكمل الخط الدرامي طريقه صعودا وهبوطا للوصول إلى القمة. أما في مسلسل \” بائعة الورد\”، فلا يوجد حبكة أصلا. البطلان الرئيسيان، لميس ومراد، لا يعرفان ماذا يريدان، ولا يسعيان إلى هدف محدد. ولو افترضنا أنهما يحبان بعضهما ويريدان الزواج، فما هي التحديات التي يواجهانها في سبيل تحقيق الهدف؟ لا يوجد أية صعوبات مقنعة. ولم يعرف الكاتب كيف يداوي فشله في صياغة حبكة رئيسية، فراح يعوض النقص ساعة بخلق شخصيات تظهر من دون مقدمات كي تثير المتاعب لعدة الحلقات ويطول المسلسل، ثم تختفي فجأة من دون إنذار، وساعة أخرى بحشو حبكات جانبية مجانية لا تقدم ولا تؤخر في الخط الرئيسي. إذ لا داعي مثلا لقصص حب الخادمة بهية في منزل مراد، ولا قيمة درامية لمشاكل أخت لميس المضحكة. وهكذا عمد كاتب \”بائعة الورد\” إلى التهريج والمرح في الحبكات الجانبية، من أجل \”بيع وقت\” في المسلسل الذي يفتقر جدا إلى الواقعية والمنطقية والإقناع حتى صار كوميديا أكثر منه دراميا. ولولا جمال الممثلة لميس والموسيقى التصويرية لما شاهده أحد. أما في \”حريم السلطان\”، فالحبكات الجانبية مشغولة بإتقان وهي تصب جميعها في مصلحة تطوير الخط الدرامي الرئيسي، كقصة حب إبراهيم باشا لأخت السلطان، والتي سوف يتم توظيفها في الحلقات المقبلة لمصلحة تعقيد الخط الرئيسي ألا وهو قصة السلطان والجارية هيام. ومن الناحية المعنوية، فمسلسل \”بائعة الورد\” تافه ولا يقدم أية قيمة إضافية للمشاهد غير تمرير الوقت ببعض الفكاهة. أما \”حريم السلطان\” فهو موسوعة ثقافية رصينة، نتعرف من خلالها على كل ملامح الحضارة العثمانية ابتداءً من أدق التفاصيل بالملابس التي تختلف حتى بين طبقات الجواري، مرورا بفن التصميم الداخلي والمعاملات والعادات، وصولا إلى تراتبية القصر وإدارة شؤون الحكم.
أخيرا، نتمنى من المشرفين على المؤسسات الإعلامية العربية أن يحرصوا على شراء فقط ما فيه قيمة إضافية للمشاهد، وأن يوفروا ثمن الباقي لاستثماره في إنتاج أعمال عربية. إذ لدينا مبدعون وكفاءات في تأليف وصناعة أعمال درامية رائعة، ولا ينقصهم شيء إلا أن تؤمنوا بهم، بدل شراء أعمال أجنبية ضعيفة!
[email protected]
twitter : @mutayyamjamal

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *