[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]د.علي محسن السقاف[/COLOR][/ALIGN]

المداعبة محببة الى النفوس ، وتزيل عنها الهم والعبوس ، وهي ليست بالسخرية والاستهزاء المنهي عنهما ، ولاهي بالمزاح المفضي الى التباعد والتباغض .
ونحن اليوم نسمى المداعبة سخرية، ومن داعب قراءه سمي بكاتب ساخر ، واشهر الساخرين العرب .. المصري احمد رجب .. وليس معه من خفة دم المصريين .. الا سطرين .. يكتبها في ساعتين .. وهو رهين المحبسين .
ويقول الامام الغزالى في الاحياء : المزاح مطايبة وفيه انبساط ، وطيب قلب ، والمنهي عنه هو الافراط فيه ، او المداومة علية، وسمي بالمزاح لانه ازاح صاحبه عن الحق .
واما السخرية فمعناها الاستهانة والتحقير ، والتنبيه على العيوب والنواقص ، على وجه مضحك، وقد يكون ذلك بالمحاكاة،أو بالاشارة والايماء (انتهى)
وبعض الصحف لا تقبل الا مقالات السياسة،ولاتحب الا اخبار النكد والتعاسة ، وكل من شتم وعاب ، اعتبروه من كبار الكتاب ، ومن اقترب من المداعبة، افضوا به الى المباعدة، والشاعر العربي يقول:
افد طبعك المكدود بالجد راحة
بلهو وعلله بشيء من المزح
ولكن اذا اعطيته المزح فليكن
بمقدار مايعطى الطعام من الملح
اما المزاح الزائد عن الحد ، فلا يعجب احد ، وقد قال حكيم : لكل شيء بذر ، وبذر العداوة المزاح ، وفي المستطرف للابشهي ، ان امير المؤمنين عمر رضي الله عنه كتب الى بعض عماله : امنعوا الناس من المزاح ، فإنه يذهب المروءة ، ويوغر الصدور ، وقال امير المؤمنين علي كرم الله وجهه : اياك ان تذكر من الكلام مايكون مضحكا، وان حكيت ذلك عن غيرك .وقال الاحنف : كثرة الضحك تذهب الهيبة، وكثرة المزاح تذهب المروءة .
وقال شاعر:
فاياك اياك المزاح فإنه
يجري عليك الطفل والرجل النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه
ويورث بعد العز صاحبه ذلا
والمداعبة لابد ان تراعي الادب ، وقلة العتب ، قال القلقشندي في صبح الاعشى : الاحسن بأهل الوداد والصفاء ، ان يتنزهوا في المداعبة الدائرة بينهم ، عن بذىء اللفظ ومفحشه،ومؤلم الخطاب ومقذعه،والامن من الكلام الذي ربما قدح في النفس ، واحمى الصدر ، ونقل عن التوادد الى التضادد ، وعن التداني الى التباعد (انتهى).
بل ان المداعبة كانت موجودة حتى في ايام الصحابة رضوان الله عليهم،فهذا نعيم الانصاري ، اشتهر في المدينة بدعاباته ومنها انه قاد مرة مخرمة بن نوفل ، وهو اعمى ليبول ، فوضعه في مؤخرة المسجد ، فصاح به الناس :تبول في المسجد فغضب نوفل ، وقرر ضرب نعيمان بعكازه ،فجاءه نعيمان بعد فترة وقال له : هل لك في نعيمان تضربه ؟ فقال نعم فقاده الى الخليفة عثمان رضي الله عنه،وكان يصلي بالمسجد ،فعلاه بعصاه ،فصاح الناس تضرب امير المؤمنين!
وفي كل العصور امثال نعيمان الانصارى ، الا ان دعابتهم دعابة فضل وخلق ، ليس فيها سفاهة او بذاءة ، او غشيان محرم ، او ارتكاب منكر .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *