في مكان مظلم بمنطقة منزوية تتناثر بها الاستراحات وتغيب عن أعين الرقيب ويسهل فيها اصطياد الزبائن اعتاد الشيخ ممارسة طقوسه القرآنية .. أحضرتنا الحاجة فقد كان الأمر جللا ..

معنا مريض عجز الطب التقليدي عن علاجه وأخبرنا أهل الاختصاص وربما سماسرة هؤلاء الشيوخ أن علاجه بالرقية الشرعية ولا حل له سواها وأن هذا الشيخ يمتدحونه كثيراً ويقال إنه قادر على طرد الأرواح الشريرة في الجلسة الأولى من القراءة ..

قبل أن نأتيه أخبرونا أيضاً بأنه لا يأخذ سوى مبلغ زهيد جد لا يتخطى الألف ريال فقط منها مئتان للرقية الشرعية وثمانمائة لسفوف هندي معتبر يطرد العفاريت من جسد الإنسان أو للمسك الأسود الذي له مفعول السحر في إبعاد شياطين الإنس والجان ..

عندما أتينا لم يكن مظهر الرجل يدل على تدين أو صلاح وحتى لم تكن نظافته الشخصية بالشكل المقبول وكانت عباراته وأدواته أقرب للتمائم والشعوذة ولا علاقة لها بالقرآن .

هذه القصة يرويها لي أحد الأصدقاء ويقسم لي أنها تتكرر كثيراً في عالم خفي يحظى بالكتمان الشديد فالطرفان حريصان على إخفاء الأمر عن الأعين خوفاً من الفضيحة .. الأمر لم يتوقف على ذلك بل تطور لتوظيف التقنية الحديثة للترويج لمياه وزيوت ودهانات يقال إنها اختلطت بآيات من القرآن تباع بمبالغ كبيرة ويروج لها عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي ولا تتطلب حضور المريض أو حتى معرفة اسم الشيخ ..

فقط إيداع المبلغ وتصل الأشياء حتى باب منزلك في خدمة ظنها البعض ضرباً من الخيال فكل مطاردي الوهم كانوا يتمنونها أمنية أن لو كانوا يستطيعون شراء لعاب الشيخ بأغلى الأثمان.

بالتأكيد نحن لا نختلف على قضية التداوي بالقرآن فهو من ثوابت ديننا ولكن اختلافنا حول هذا المسلك الشيطاني الذي يرعاه هؤلاء الدجالون ويقع في مصيدته أهل الحاجات مما جعل الأمر يتطور ويصبح استثماراً تجارياً يدر على صاحبه ملايين الريالات مع أن أغلب العوارض التي يعالجها هؤلاء بشهادة أهل الشأن أقرب للأمراض النفسية ولا علاقة لها بالجان .

لا أعرف من الملام هنا هل هو ضعف الرقابة الحكومية التي منحت هؤلاء فرصة لتسويق أنفسهم على الجهال وأصحاب الحاجات وابتزاز أموالهم بالباطل .. أو اللائمة تلقى بالكلية على من يأتونهم ويصدقونهم برغم كل المؤشرات التي توحي بأنهم أفاقون وهم أبعد ما يكونون عن القرآن .

ما أعلمه يقيناً أن هذه التجاوزات لابد أن تتوقف وأن يحاسب كل متجاوز في هذا الشأن ولابد من وجود قنوات رسمية ترعاها الدولة تضبط هذه الممارسات وتكفل للمصاب بالمس أن لا يكون ضحية هؤلاء المستثمرين تجارياً في القرآن .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *